«الكعبة» الماليزية!

TT

يكمن أحد الأسرار وراء إعجاب الناس بحسن تنظيم الحجاج الماليزيين؛ في أنهم يقومون بإجراء «بروفة» تدريبية مسبقة على أداء مناسك الحج قبل قدومهم إلى مكة المكرمة، وذلك بالطواف حول مجسم «كعبة ماليزية» مصغرة، وضع في أماكن عدة لتدريب نحو 99 في المائة من الحجاج الذين يؤدون فريضة الحج لأول مرة، ولم يكتفوا بأنهم أول من ابتكر هذه الفكرة، بل طوروها لتشمل مجسمات تصور مناسك الحج الأخرى.

ويمكن أن يلحظ المرء بسهولة الحجاج الماليزيين، فهم يسيرون في أفواج متماسكة، تميزهم أساورهم التي تحمل أسماءهم وجنسياتهم وأرقام هواتف ذويهم، فضلا عن حقائب صغيرة موحدة تحمل علم بلادهم. والحاج الماليزي قليل السؤال؛ لأنه تدرب جيدا قبل قدومه على محاذير الحج وقوانين البلد، وقد حذا حذو الماليزيين شعوب أخرى مثل الإندونيسيين والإيرانيين وأخيرا السودانيين.

غير أن الماليزيين ما زالوا السباقين في إبداعاتهم التنظيمية؛ إذ أطلقوا هيئة للحج في ستينات القرن الماضي سموها «تابونغ حاجي»، تقتطع جزءا من راتب الفرد لتدخره وتستثمره، حتى إذا ما جاء دور المواطن في الحج حصل على دورة تدريبية مكثفة، وتمتع بتحمل هذه الهيئة لكل مصاريف إقامته وسفره ورعايته الصحية، فلا يصبح عالة على الدولة المضيفة، الأمر الذي دفع مدير عام الدفاع المدني السعودي إلى الإشادة بالتجربة الماليزية في توعية الحجاج؛ حيث قال، في وقت سابق، إننا «نلمس نتائجها».

عندما تنظم نفسك فإنك تسهل مهمة المنظمين في أي بلد؛ فالتنظيم، الذي يعد ركنا من أركان الإدارة الأربعة، يصبح مهمة شاقة على أي دولة أو مؤسسة أو إدارة في العالم، ما لم يقرر الفرد نفسه تنظيم سلوكه.

وقد جنت، على ما يبدو، كل هذه المحاولات التنظيمية ثمارها، إذ قال الأمير خالد الفيصل، أمير منطقة مكة المكرمة، إن حجاج هذا العام كانوا منظمين، ولاحظ تحسنا متزايدا في كل عام، كما صرح لقناة «العربية»، وهو في نظري مرده إلى ارتفاع معدل الوعي نسبيا لدى الحجاج، وحسن إعدادهم من قبل حملاتهم، فضلا عن الجهد السعودي الكبير في تنوير الحجيج على مر العقود.

حينما ننظم أنفسنا عند أداء أعظم ركن بالإسلام، فإننا نسطر أروع الأمثلة، أمام أنفسنا وأمام عدسات التلفزة ووكالات الأنباء العالمية، على أن الإسلام هو بحق دين التدبير والتنظيم قولا وفعلا.

[email protected]