مخاوف أقباط مصر من المستقبل

TT

القاهرة - يبدي الأقباط المسيحيون قلقا حول مستقبلهم في مصر الجديدة، حسبما رأيت ليلة الخميس خلال اجتماع سياسي حاشد في حي الفقراء القبطي المعروف هنا باسم مدينة الزبالين بالقاهرة. تجمع السكان في زقاق أحاطت به أكوام القمامة، وزينت الرموز المسيحية كل الجدران، في رسالة بسيطة مفادها أنه لحماية عائلاتهم والمسيحيين يجب أن يصوتوا في الانتخابات البرلمانية التي ستبدأ أواخر الشهر الحالي، وإلا ستخضع مصر لسيطرة الإخوان المسلمين التي تحشد أنصارها.

وحذر أحد المتحدثين، مؤكدا على ضرورة نضال المسيحيين من أجل دولة علمانية من شأنها أن تكون معتدلة ومتسامحة: «محمد وجون بحاجة لأن يعيشوا جنبا إلى جنب، وإذا لم تذهب للتصويت، فلا تلم سوى نفسك على العواقب». تشير دينا بشاي (29 عاما) من سكان الحي، إلى أن المسيحيين أصبحوا «دون شك» أكثر خوفا منذ قيام الثورة، فإذا ما وصل الإخوان المسلمون إلى السلطة، فإن ذلك سيكون بمثابة «صدمة كبيرة» وذلك لأن المسيحيين يشعرون بأنهم «مهمشون» وسيكون «من المستحيل بالنسبة لنا أن نعيش في خوف دائم».

قضية التوتر الطائفي هذه لا تزال تتستر خلف الحملة الانتخابية التي تدور رحاها الآن في جميع أنحاء مصر، وعادة ما يتفادى الناس الحديث عنها بشكل مباشر، لكنها خوف دائم هنا، كما هو الحال في غالبية البلدان الأخرى التي هزها الربيع العربي. والسؤال هو ما إذا مكنت الديمقراطية الأحزاب الإسلامية في العالم العربي من السلطة، فهل ستحظى الأقليات المسيحية بمستقبل عملي.

ونظم الحشد من قبل حزب المصريين الأحرار، الحزب العلماني، المؤيد للسوق والذي أسسه نجيب ساويرس، أحد أغنى رجال الأعمال في مصر وعضو بارز من الأقلية القبطية، ويهدف الحزب إلى الحصول على 85 في المائة من أصوات الناخبين الذين يحق لهم التصويت في هذه المنطقة والبالغ عددهم 40.000 شخص وغالبيتهم من الأقباط.

مدينة الزبالين بقعة لا تنسى، ومشهد قد يتخيله أي مخرج فيلم سريالي، فالشاحنات الصغيرة تدور في المنطقة حاملة ارتفاعات شاهقة من القمامة، والتي يتم فرزها من أجل أي شيء يمكن إعادة تدويره. تنتشر أماكن حرق القمامة في المنطقة، ونظرا لأن المسلمين يعتبرون جمع القمامة عملا غير نظيف (يتم تغذية الخنازير بالقمامة) كان هذا العمل على مدى أجيال طويلة يتم من قبل المسيحيين، الذين يعملون في أكشاك رملية محاطة بأيقونات وصلبان وملصقات للمسيح.

وكان دليلاي في هذه الرحلة كريم أبادير وعمر خشبة من مسؤولي الحزب. ويشير أبادير، وهو أستاذ اقتصاد في لندن، ويقول إنه عاد إلى مصر بعد الثورة «للدفاع عن حقوقي كقبطي لأكون جزءا من مصر الجديدة». وقال «عندما يقول لي المسيحيون إنهم لا مستقبل لهم في مصر، أقول لهم: اذهبوا للتصويت». أصيب أبادير في حادث ماسبيرو في 9 أكتوبر (تشرين الأول)، عندما قامت الشرطة والجيش بمهاجمة المتظاهرين الذين كانوا يحتجون على حرق الكنائس، وقد لقي 27 شخصا منهم حتفهم في أعمال عنف، غالبيتهم من المسيحيين، وقد روى لي مسلم انضم إلى المسيرة أنه كان هناك توتر طائفي في كلا الجانبين، حيث هتف الأقباط «نحن أصحاب الأرض»، (ما يعني أن الأقباط كانوا في مصر قبل الإسلام)، وكان المسلمون يردون «الإسلام، الإسلام».

وقد تحدثت مع مسيحيين من مناطق كثيرة من القاهرة الأسبوع الماضي لقياس قلقهم. وقد عبروا جميعا عن القلق، ولكن غالبيتهم قالوا إنهم لا يزالون يأملون في أن تظل مصر الديمقراطية متسامحة مع الأقليات. وفي إشارة إلى قلقهم، طلب العديد منهم ألا أذكر سوى أسمائهم الأولى.

وقالت سيدة تدعى نسرين إنه في كل يوم أحد في الكنيسة التي ترتادها في مصر الجديدة تعلن العديد من العائلات القبطية أنهم سيغادرون البلاد. تحمل نسرين جواز سفر كنديا، وزوجها يريد أن ينتقل إلى كندا، لكنها تنتظر لترى ما الذي ستحمله الانتخابات القادمة. ويحاول القساوسة في الكنائس تهدئة مخاوف رعاياهم، قائلين لهم «يجب علينا البقاء، علينا أن نأخذ مكاننا في بلدنا». وتقول سيدة تدعى ريموندا والتي تعيش في أحد الأحياء المختلطة ولا تحضر إلى الكنيسة إنها تخشى «من المشاعر السلبية للغاية تجاه المسيحيين منذ قيام الثورة، وإنها لا تملك جواز سفر آخر، ولم تفكر على الإطلاق في الحصول على جواز سفر آخر، لكنها تتساءل الآن. أما زوجها فيرى أن عليها ألا تتأخر حتى فوات الأوان. وأضاف: «لا أريد أن أفقد الأمل، أريد الرهان على الشعب المصري».

وفي جمع من الطلاب وأعضاء هيئة التدريس في مركز «غيرهارت سنتر» في الجامعة الأميركية بالقاهرة، يتحدث الناس صراحة عن التوترات الدينية، ويأملون في ألا تخرب هذه المسألة من منجزات الثورة.

وتتذكر المرأة المسلمة التي رافقت المسيحيين إلى ماسبيرو سماع هتافات طائفية، ذهابا وإيابا، وتقول: «حينها شرعت في البكاء، لقد كرهت كلا الطرفين».

* خدمة «واشنطن بوست»