«الكاتب الشبح».. وتدليس المجلات الطبية

TT

أعادت المجلة الطبية البريطانية BMJ فتح ملفات موضوع «التدليس» في مصداقية ذكر الباحثين الطبيين أسماء من ساهموا بالفعل في إنتاج المقالات أو الدراسات العلمية الطبية ‘Inappropriate Authorship’. وهذا «التدليس» الذي تواطأت الأوساط الطبية على تقبله، رغم قناعتها أنه دون أي وجه حق، لا يزال أحد المواضيع التي تتحرج هذه الأوساط عادة من طرحها بشكل علني.

وعادة ما تتم كتابة مجموعة أسماء الكتاب الطبيين للمقالة أو الدراسة العلمية مباشرة بعد العنوان الرئيسي لها. ولكن ما يحدث عادة أيضا أن أسماء عدة تضاف إلى أسماء من قاموا فعلا بالبحث والكتابة، وهي لأطباء «ذوي تأثير» تضاف أسماؤهم على الرغم من أنهم لم يشاركوا ألبتة في إجراء الدراسة الطبية ولم يشاركوا ألبتة في كتابتها. وأصبح متعارفا عليه أن تكتب أسماء هؤلاء كـ«ضيوف شرف» من باب «الإكرامية» والمجاملة «البريئة» أو تحت الضغط غير البريء. وتعرف المصادر العلمية لأوساط البحث الطبي هؤلاء بـ«الكاتب الشرفي» Honorary Author.

وفي المقابل، تذكر هذه المصادر الطبية نفسها أن هناك باحثين طبيين «طيبون» يبحثون عن «لقمة العيش»، يعملون بكد وجهد في إجراء الخطوات العملية المهمة جدا لإتمام هذه الدراسة وتجميع نتائجها وتحليل مدلولاتها، ولكن ومع هذا الجهد المضني كله والإسهامات الجوهرية substantial contributions، تحجب أسماؤهم ولا تذكر ألبتة في قائمة من شاركوا في إجراء الدراسة أو ساهموا في كتابتها، وهو ما يسمى في الأوساط الطبية العلمية بـ«الكاتب الشبح» Ghost Author. وفي النهاية يستفيد من كتبت أسماؤهم بأن تضاف هذه الدراسة أو تلك المقالة ضمن «الإنتاجية العلمية» لذلك الطبيب أو الباحث «الشرفي»، الذي، في حقيقة الأمر، لم يفعل فيها شيئا، ويحرم من هذا أولئك «الأشباح» الذين قاموا فعلا بالبحث والدراسة.

الدراسة الحديثة المنشورة ضمن عدد 25 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي من المجلة الطبية البريطانية، قام بها فريق من الباحثين بالولايات المتحدة. وبعد مراجعتهم مجمل المقالات الطبية والعلمية المنشورة في عام 2008 ضمن ست من أكبر المجلات الطبية العالمية، تبين أن ثمة أدلة واضحة على أن مشكلة التدليس، «الشرفي» و«الشبحي»، لا تزال مستمرة وبنسبة لا تختلف كثيرا عما كانت عليه الحال قبل عقود.

وقال الباحثون إن «النتائج تؤكد أن المشكلة هذه لا تزال معضلة ذات تأثيرات عالية في المنشورات العلمية الطبية». وأضافوا: «وهذه المشكلة، وما ينجم عنها من تدني مستوى الشفافية وتحمل المسؤولية، كانت ولا تزال أحد اهتمامات الأوساط الأكاديمية لسنوات». ويشيرون بعبارتهم هذه إلى أنه في ثمانينات القرن الماضي، وضعت اللجنة الدولية لرؤساء تحرير المجلات الطبية International Committee of Medical JournalEditors (ICMJE)، إرشادات واضحة حول مسؤوليات وإسهامات من تكتب أسماؤهم ككتاب للمقالات والدراسات الطبية. ويتم تحديثها بانتظام، وتتبنى اتباعها أكثر من 600 مجلة طبية في أنحاء العالم كافة.

وقام الباحثون بمقارنة نتائجهم لعام 2008 مع نتائج دراسة مماثلة وسابقة لهم أجريت عام 1996 حول هذا الأمر، ولاحظ الباحثون الأميركيون بنتيجة المقارنة أنه لم يطرأ أي تحسن في مصداقية إضافة الكتاب الشرفيين، بل استمرت نسبة المجاملات والتدليس في هذا الجانب، واستمرت إضافة أسماء أطباء وباحثين علميين لم يشاركوا في إجراء الدراسات ولا كتابتها، بنسبة تصل إلى 25% من مجموع الأسماء التي تذكر في مقدمة الدراسات الطبية، أي أسوة بما كان عليه الحال قبل أكثر من 12 سنة! أما نسبة إغفال ذكر أسماء الباحثين والكتاب الذين شاركوا بشكل فعلي في إنتاج الدراسات والمقالات الطبية، فقد انخفضت من نحو 11% إلى نحو 8%!

وقال الباحثون في محصلة الدراسة: «النتائج تشير إلى ضرورة أن يتم تشديد المعايير في هذا المضمار، وتقترح ضرورة إدراك أهمية العمل على زيادة جهود المجلات العلمية والكتاب الطبيين والمؤسسات الأكاديمية في التدقيق لرفع مستوى تحمل المسؤولية والشفافية والقدرة على التفسير في شأن التأليف الطبي، وللحفاظ على مستوى أمانة النشر العلمي».

والواقع أن كتابة المقالات الطبية، وتوثيق أسماء من شاركوا بالفعل في إتمام إنتاج مقالات الدراسات الطبية، وعدم استخدام نشر المقالات والبحوث الطبية كميدان لتوزيع الإكراميات على «الزملاء والأصدقاء» في الوسط الطبي، هو جزء أساسي من مصداقية الباحثين وشفافية المعلومات والنتائج الطبية المرافقة. وإذا كان «المكتوب يقرأ من عنوانه» كما يقول المثل، فإن عدم المصداقية في ذكر أسماء الباحثين ينعكس سلبا على مستوى تقبل الوسط الطبي المعلومات العلمية والطبية في متن الدراسة أو البحث الطبي نفسه. والمطلوب من الأطباء الباحثين، الذين يقومون مشكورين ومقدرين بإجراء الدراسات أو البحوث الطبية، أن يذكروا فقط من قام معهم بإجراء أجزاء الدراسات تلك وتحليل نتائجها وصياغتها الكتابية وطريقة عرضها العلمي. ويصدف أن يحدث بالفعل، وللأسف، أن يسأل أحد الأطباء طبيبا ذكر اسمه «شرفيا» في قائمة من أجروا دراسة طبية ما، عن جانب علمي يتعلق بالدراسة، ويجيب بما يفيد صراحة أنه لم يطلع عليها بالأصل ويجهل كيفية إجرائها ولا يقوى على تفسير معاني نتائجها!

استشاري باطنية وقلب

مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض