ضرورة إعطاء الأولوية في الدول الديمقراطية لحماية حرية الأديان

TT

لن يكون هناك سلام في العالم من دون فهم وضع ومكانة الدين به. لقد شهد العقد الماضي الكثير من الأساطير الملائمة التي غطت على أهمية الدين. كان الكثيرون يعتقدون أن مكانة الدين ستتراجع مع تقدم المجتمعات، لكن هذا لم يحدث. وأكد البعض الآخر أن الثورات العربية أطاحت بأنظمة ظلت متشبثة بالحكم لفترات طويلة وأفرزت حركات ديمقراطية، مما يشير إلى تراجع أهمية الدين في المشهد السياسي الجديد، ولم يحدث هذا أيضا، فالدين يعد عنصرا أساسيا في هذه المجتمعات، وسيزداد أهمية في المستقبل المنظور. هل نعتقد حقا إمكانية حل قضية القدس على الأقل من دون مناقشة أهميتها الدينية بالنسبة إلى الأديان السماوية الثلاثة؟

لا يبدو أن فيروس الإرهاب القائم على نسخة مشوهة من صحيح الدين الإسلامي يضعف. وليست الأعمال الإرهابية هي فقط التي ينبغي أن تثير قلقنا، بل التشدد الذي يروج لفكرة اضطهاد الأقليات. ويتمثل التحدي في تزايد امتهان الكرامة الإنسانية ومنع حرية الأديان. ويؤدي هذا بدوره إلى زيادة الظلم الذي يعانيه المؤمنون. ويعني هذا أن علينا دعم المسلمين في غوجارت في الهند، والمسيحيين غير الأرثوذكسيين في مولدوفا، والبهائيين في إيران، وأتباع الطائفة الأحمدية في باكستان، وكل مسيحيي شمال أفريقيا، والهندوس في سريلانكا، والشيعة في دول عديدة ذات أغلبة سنية وأماكن أخرى. تتمثل النقطة الأساسية في أنه عندما نفكر ونحلل في أي مكان، نجد أن الدين قوة مهمة تحدد شكل العالم من حولنا. إنه الدليل النهائي بالنسبة للبعض على عدم التكافؤ بين الأديان. ويرى البعض أن حل هذا هو التخلي عن الدين، لكن بالنسبة إلى ملايين الأشخاص لا يقاس الإيمان بالتحيز أو عدم التسامح أو العنف، بل بالحب والتعاطف والرغبة في نشر العدل والإنسانية في العالم والنضال من أجل ذلك. إن الإيمان بالغاية السامية في زمن العولمة، خاصة في أعقاب الأزمة المالية، هو ما يجعلهم يؤكدون الأهمية الاجتماعية للدين في العالم المعاصر. لكن من أجل تحقيق ذلك، من اللازم أن يبدأ المتدينون والعلمانيون والسياسيون الحوار بعضهم مع بعض من أجل تحقيق التعايش السلمي. وتزيد القوة الدافعة الصحيحة نحو المزيد من الديمقراطية حول العالم من أهمية الأمر. نحن بحاجة إلى ديمقراطية صديقة للدين ودين صديق للديمقراطية. وأقترح في هذا المقام طريقة ثالثة. على الذين ألهمهم ديننا الحق في التحدث عن أمور تهمنا باسم معتقداتنا. في الوقت ذاته، لا يمكن لصوتنا أن يهيمن على النظام الديمقراطي الأساسي الذي يطبق على الجميع سواء كانوا مؤمنين بديانة أم لا. في المقابل، ينبغي أن يؤدي هذا إلى جدال حيوي بناء حول طبيعة الديمقراطية وهو جدال يزداد أهمية في ظل الثورات العربية. أجد صعوبة في تعريف الديمقراطية من خلال مرجعية ديانة واحدة. التعددية هي جوهر الديمقراطية، وهي علمانية بطبيعتها حتى وإن غرست في ثقافات متدينة. وهنا يعني مصطلح الدين الصديق للديمقراطية أمرا في غاية الأهمية في ما يخص نظام الحكم في مجتمع ما. إن الأمر يتعلق بحرية الإعلام والتعبير والمعتقد الديني. يتعلق باستقلال القضاء وسيادة القانون والسوق الحرة، وإن لم يغب تدخل الحكومة والقواعد المنظمة. تعدد الأديان لا ينفصل عن التعددية السياسية، بل يرتبط بها.

لقد اتضحت التحديات الآن. إن الدين مهم، فهو يمثل دافعا ومانعا. وإذا عملت الديمقراطية بفاعلية، سيكون على الدين التعبير عن انفتاح العقول لا ضيق الأفق. مع ذلك، لا يستطيع الساسة وحدهم غرس هذا الانفتاح، بل على أصحاب الديانات المشاركة في ذلك، فعليهم توفير المنبر المناسب للحوار بين الأديان ونشر الاحترام المتبادل بين معتنقيها وتقديم دليل على أهمية انفتاح العقول من الكتاب المقدس لكل ديانة. ستظل مواد الدستور التي تحمي الأقليات مجرد حبر على ورق إن لم يعمل قادة الدين والسياسة على توعية الناس بحقوق الأقليات الدينية. إن الالتزام بالكرامة الإنسانية يعني القيام بأفعال واضحة، لذا من الضروري تدريب أفراد تطبيق القانون على التمسك بهذه القيم وتدريس احترام وفهم الآخر في المدارس من المرحلة الابتدائية وما بعدها، وتوعية قادة الأمة بمبادئ الدين الصحيحة.

يمثل هذا تحديا كبيرا لا يمكن إنكاره أمام رجال الدين البارزين، وهي استنباط القيم والرؤى التي تصنع ثقافة الديمقراطية من النصوص الدينية وأخبار السلف. ينبغي أن يكون الدفاع عن حقوق معتنقي الديانات الأخرى جزءا معتادا من عملهم، تماما كما يدافعون عن حقوق معتنقي ديانتهم، وإلا فكيف يمكنهم أن يزعموا أنهم المدافعون عن القيم العالمية؟

إن مسألة زعم امتلاك أتباع الأديان السماوية الحقيقة المطلقة هي ما تدفعهم إلى التعنت واتخاذ مواقف غير قابلة للمناقشة والحوار أمر حقيقي، لكن المشكلة تكمن في تفسير وتأويل هذه المبادئ والرغبة الإنسانية المستمرة في زعم أن الرب يقف إلى جوارك وأننا شكلنا حزب الله وأن القصور الإنساني والقسوة وانعدام الإنسانية أمور يحرمها الله، لكن ما وراء هذا من غرور وتكبر هو المعنى الحقيقي للكفر.

السبب الأول هو الدافع وراء إقامة مؤسستي، فمن دون التفاهم بين الأديان، ستخلى الساحة الدينية والسياسية للمواقف الإقصائية التي تنم عن ضيق أفق. السبب الثاني هو حاجتي وآخرين مثلي في السياسة إلى المساعدة. على رجال الدين البارزين الانخراط في الأمر. وينبغي أن تطرح مسألة تأثير الدين علينا في الجامعات والمدارس، حيث تصبح أهمية معرفة الآخر قضية مهمة وسياسية.

وأخيرا، سيكون لهذا نتائج إيجابية على الدين ذاته في حال ما إذا حدث، حيث سيشجع الكثيرين، ممن يبحثون عن الروحانية، لكن وجدوا بدلا منها خرافات غير منطقية وتحيزا وتعصبا، على اعتناق الأديان. إنه سيسمح بقيادة الإيمان الصحيح العقلاني بالله دفة القرن الحادي وعشرين. إن هذا هو جوهر الدين والإيمان الحق وسبب حاجة العالم إليه.

* رئيس الوزراء البريطاني الأسبق ومؤسس «توني بلير فيث فاونديشن».. والمقال نسخة منقحة من خطاب ألقاه بلير في 10 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي عن ضرورة إعطاء الدول الديمقراطية الأولوية لحماية حرية الأديان.