عن الوحدة: عربية وأعجمية

TT

حقق غاريبالدي الوحدة الإيطالية بالقوة، وكذلك وحّد بسمارك ألمانيا، التي جُزئت بعد الحرب العالمية الثانية، ثم عادت فتوحدت بعد سقوط الاتحاد السوفياتي من دون هزة عصا. ولم تهدأ الدعوات الانفصالية في إيطاليا، حيث قام في الشمال الميسور حزب يدعو إلى الكف عن تحمل أعباء الجنوب الفقير والاتكالي. وفي كندا هدأت نزعة الانفصال في مقاطعة كيبك لكنها لم تنته.

في الستينات طلبت بريطانيا المتعثرة، الانضمام إلى السوق الأوروبية المشتركة، فأذلها شارل ديغول بالرفض ووضع الشروط الصعبة. والآن تقوم في المملكة المتحدة حملات تطالب بالانسحاب من الوحدة الأوروبية، وبعدم الانضمام أبدا إلى العملة الموحدة. وترفض دول انضمت إلى الوحدة، مثل بولندا، الانضمام أيضا إلى اليورو المترنح. فهل الوحدة إذن أفضل من الانفصال؟ ولماذا نجحت الفيدرالية الأميركية ونجح الدولار كعملة للبلاد منذ أكثر من قرنين؟ تتكاثر هذه الأيام نظريات تفكيك المنطقة وتقسيمها. ويحكى عن سايكس - بيكو جديد كما تم التقسيم بين بريطانيا وفرنسا عام 1916. لكن أحدا لا يقول لنا، بين مَن ومَن سوف تقسم المنطقة الآن، ما دام القطب العالمي لا يزال واحدا؟ وفي بداية الثورة الليبية سارع الجميع إلى القول بأن الهدف هو التقسيم، لكن ليبيا تبدو اليوم أكثر وحدة عما كانت عليه المشاعر في ظل القائد والأربعين عاما.

إذن، بعد تخلخل الوحدة الأوروبية بسبب الأزمات الاقتصادية في الدول الأقل ازدهارا، تبدو الوحدة غير المتجانسة مغامرة رومانسية أكثر منها مشروعا وحدويا حقيقيا. والعودة عن الوحدة اليوم قد يكون أكثر بكثير من قيامها. سوف يكون خرابا كثيرا وبؤسا واسعا. وربما كان في المحنة درس لنا، خلاصته أن الوحدة لا تقوم على الخطب والأناشيد، أو الفورات الحماسية.

جملة اعتراضية: ما هو التجانس القائم بين الولايات الهندية؟ بين غوا البرتغالية وأوتار برادش؟ ولماذا بعد انفصال باكستان عن الهند، انفصلت باكستان الشرقية عن الغربية وأصبحت بنغلاديش، على الرغم من وحدة الدين والعرق والتاريخ؟ حقا لماذا؟ هل بسبب تعالي وتكبر الحكومة المركزية؟ هل العدالة والمساواة تصنع الوحدات الكبرى؟ عندما قام ليندون جونسون بحملته الانتخابية عام 1959 كنائب لجون كنيدي، كان رفاقه من السود يمنَعون حتى من دخول حمامات الفنادق. وكان عليهم أن يقضوا حاجاتهم على جوانب الطرق. فلماذا لم تسقط الوحدة الأميركية في حرب أهلية كما سقطت في القرن الأسبق. لا أدري. أنا فقط أتذكر وأتساءل. وكلما تذكرت من أمور التاريخ المعاصر، بدا العالم أحجيات معقدة لا يبسطها سوى المدعين.

بدت أوروبا أكثر رونقا وتفاؤلا في وحدتها. نقطة ارتكاز يأتي إليها الجميع من الشرق والغرب. الرأسماليون والاشتراكيون السابقون والشيوعيون الذين يستبدلون الرغيف بالجمل الطويلة والتعابير المستطيلة. وبدا أن بابل المعاصرة سوف تعيش وأبراجها سوف تبقى والترجمة الآلية سوف تسهل الاستمرار. وفجأة أطل اليوناني، يدعي أنه سليل أفلاطون والإسكندر، ولا يستطيع أن يربح معركته على فساده القائم منذ طروادة. إنه كعب أخيل الوحدة.