احتواء التهديد النووي الإيراني

TT

قدم وزير خارجية بريطانيا وليام هيغ «Statement to the commons»؛ بخصوص الشرق الأوسط وأفريقيا؛ باللغة البرلمانية: تفسير الحكومة لحدث يؤثر على المصلحة الوطنية لمجلس العموم؛ وخطة العمل المقترحة للحكومة للتعامل مع الحدث.

اختلف النواب حول اتخاذ المواقف تجاه قضايا المنطقة باستثناء خطورة التهديد الإيراني للسلام العالمي وللأصدقاء العرب؛ فقد كان هناك إجماع على ضرورة احتواء الخطر.

سبب تخصيص وقت للتصريح الذي لم يكن مدرجا على الأجندة البرلمانية كان تقرير الأمم المتحدة بأدلة تثبت مضي إيران في مشروع إنتاج القنبلة النووية التي وصلت فيه نقطة اللاعودة.

لم يعدّ التقرير ساسة أو دبلوماسيون، بل علماء متخصصون في الطاقة الذرية ليست لهم مواقف سياسية معروفة.

ضمن الأدلة شراء إيران معدات باهظة التكاليف لا يحتاجها تطوير مشروع نووي لأغراض سلمية. بجانب إجراء تجارب مكلفة لا ضرورة لها إلا لإنتاج السلاح النووي.

من الناحية العسكرية درس المتخصصون ما يعرف بـ delivery platforms أو وسائل إيصال وسيلة الدمار (مدفعية، طائرات قصف، وصواريخ). وهي لا تصنف فقط حسب المدى الجغرافي ومكان النشاط، كأسلحة ميدان قتال محدودة المجال، أو استراتيجية تصل إلى مدن الخصم، فحسب، بل وفق الـ payload أو نوعية المقذوف أو وسيلة الدمار المحمولة.

قد تكون تقليدية كالقنابل المضادة للمعدات والأفراد؛ أو ألغام تسقطها الطائرات أو تحملها الصواريخ لتسد الطريق وتعطل ملاحة أسطول الخصم (وفي هذه الحالة تصنف كأسلحة دفاعية)؛ أو غير تقليدية كأسلحة الدمار الشامل من كيماوية وبيولوجية، تستهدف الأفراد، أو نووية تأتي على الأخضر واليابس بجانب البشر.

والتقارير العسكرية ككتاب التوازن الاستراتيجي السنوي ودوريات الدفاع تظهر أن إيران (ووزارة دفاعها أهم مصادر التقارير) تستثمر في برنامج تسليح موازٍ، ليس فقط في الأسلحة الدفاعية (كحق أي بلد في العالم) بل في وسائل إيصال الدمار من صواريخ وقاذفات، ليست مزدوجة الاستعمال dual use، بل غرضها إيصال السلاح النووي مئات الأميال وراء حدود إيران.

الوسائل، من قاذفات وصواريخ باهظة الثمن استوردتها إيران بينما تعاني من أزمة اقتصادية خانقة (تستورد، كبلد منتج للبترول، مشتقاته من وقود السيارات وزيوتها لعجز معاملها عن تكريره) وترتفع فيها نسبة البطالة.

الأدلة من الجانبين العسكري وعلماء الذرة تقدم الدليل على وجود برنامج نووي إيراني لأغراض عسكرية وإنتاج سلاح نووي، وأيضا امتلاك الوسائل القادرة على إيصاله لمدن ومناطق آهلة بالسكان تبعد مئات الأميال عن حدود إيران من كل جانب.

الجدل في الصحافة العالمية؛ خاصة الدوائر الأميركية، يركز على التهديدات المعلنة من جانب الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد لإسرائيل، وتهديدات الأخيرة باتخاذ ضربات استباقية (كتدميرها المفاعل النووي العراقي عام 1981 والتي أثبتت الأحداث أن صدام حسين كان سيستخدم السلاح النووي لو امتلكه).

في رأينا أن هذا الجدل، رغم سذاجته، بالغ الخطورة لأنه يبعد بؤرة الاهتمام عن الخطر الحقيقي الذي تمثله أهداف نظام ولاية الفقيه الشمولي من امتلاك السلاح النووي. الجدل يخلق ضجة يرحب بها أحمدي نجاد وحلفاؤه، لأنه لا يقدم ستارا دخانيا يخفي النوايا الحقيقية لطهران فحسب، بل أيضا يفتعل معركة وهمية مع «الشيطان الأصغر» (أي إسرائيل)، وحاميتها «الشيطان الأكبر» (أميركا) كالقاعدة الميثولوجية التي شيدت عليها آيديولوجية الجمهورية الإسلامية.

معركة وهمية تزيد من شعبيته وتحول الأنظار عن قصور حكومته عن تلبية حاجة المواطنين ومواجهة مشكل البطالة والأزمة الاقتصادية والإخفاق في تنفيذ المشاريع والإصلاحات التي وعدت بها الإيرانيين؛ ناهيك عن تزوير الانتخابات والانتهاكات الوحشية لحقوق الإنسان ودعم الإرهاب.

الواقع أن تهديد إيران لإسرائيل بإبادتها وهمي ينتمي لعالم البروباغندا التي ابتكرتها ديكتاتوريات كالناصرية (أول من هدد بإلقاء إسرائيل في البحر)، والبعثية بفرعيها الصدامي والأسدي (وكلهم انهزموا في أول مواجهة عسكرية مع إسرائيل كانوا البادئين بها) والقذافية (الهزلية الطابع).

تمويل إيران لمنظمات وانتحاريين ضد إسرائيل، هدفه تعطيل السلام وتحويل الانتباه عن مشاكلها الداخلية (أو مشاكل حلفائها كالبعث السوري وحزب الله) ولا يشكل خطرا حقيقيا لإسرائيل.

ورغم الحالة العقلية غير المستقرة الظاهرة، فزعماء إيران يمتلكون حدا أدنى من غريزة البقاء لإدراك قدرة إسرائيل على الرد الرادع بتدمير إيران إلى مستوى العصر الحجري، مما يستبعد أي مواجهة حقيقية تستهدف بقاء إسرائيل ككيان سياسي (ناهيك عن مصير ملايين المسلمين من مواطني إسرائيل وتأثير الإشعاعات الذرية على المسلمين من جيران إسرائيل في دائرة قطرها 300 ميل).

جدل مجلس العموم أظهر وعي الساسة البريطانيين، الذي يفتقده الأميركيون، بالنوايا الحقيقية لإيران من امتلاك سلاح نووي؛ وهو ابتزاز الجيران العرب في الخليج، وفرض هيمنة على المنطقة لإجبار الدول الكبرى كالسعودية ومصر وتركيا على اتباع استراتيجية إيرانية، بدلا من استراتيجية طبيعية تحمي مصالحهم الإقليمية.

فالسلاح النووي الإيراني هنا ليس سلاح بقاء من أجل ردع تهديد الفناء، بل هو سلاح لابتزاز الجيران.

السؤال المحير هو: كيف يمكن احتواء التهديد الإيراني غير المسبوق في خطورته؟

وزير الخارجية هيغ، رغم إصرار النواب اليساريين، رفض شطب الخيار العسكري ضمن عدة خيارات. الخيار العسكري يتمناه أي نظام ديكتاتوري (ونظام ولاية الفقيه ليس استثناءً)، لوعيه بمبدأين: الديمقراطيات الغربية بصحافتها الحرة ستحصر الخيار العسكري في الأهداف العسكرية مما يجعل المدنيين (بمن فيهم الحكومة الإيرانية) غير معرضين للخطر. والثاني أن أي تصعيد عسكري سيرفع من شعبية النظام الشمولي.

بعد تجربتي أفغانستان والعراق، أصبح من المستحيل لجوء الديمقراطيات لعمل عسكري لمساعدة أي شعب بلا غطاء قانوني.

الصين وروسيا أوضحتا أنهما ستستخدمان الفيتو ضد أي قرار لاتخاذ إجراء عملي تحت الفصل السابع ضد إيران في مجلس الأمن (الموقف نفسه مع ديكتاتورية البعث السوري).

تجربة دعم ثورة الشعب الليبي أثبتت أن موقفا من الجامعة العربية (وكان الاستثناء الوحيد) أحرج الصين وروسيا فلم تستخدما الفيتو ضد القرار 1973.

المطلوب اليوم تنسيق بريطاني عربي خليجي أولا لنصرة الشعب السوري. فهزيمة البعث الأسدي، الذي تدعم إيران تنكيله بالشعب السوري، سيشكل انتصارا للديمقراطية ويقلم المخالب الإيرانية الممتدة غربا. وثانيا انخراط العرب في دبلوماسية علنية لاحتواء الخطر الإيراني الذي يهددهم، سيجبر الصين وروسيا، في أقل تقدير، على التزام الصمت، لا استخدام الفيتو عند تصويت العالم على قرارين يحتم التاريخ صدورهما.

أولا إجراءات عملية لدعم مطالب السوريين بإسقاط ديكتاتورية البعث وبناء ديمقراطية تعددية سيهزم أحمدي نجاد. وثانيا قرار بإجراءات عالمية عملية لمنع إيران من إنتاج سلاح نووي تريد ابتزاز العرب به.