كارثة الحل «السلمي»

TT

قال أحدهم إن هناك ضوءا في آخر النفق المظلم الذي تسير فيه مصر الآن، وقال إن الانتخابات التشريعية المقبلة هي ذلك الضوء الذي في آخر النفق المصري المظلم والمنذر بالكارثة، فرد عليه آخر قائلا: نعم، هناك ضوء في آخر النفق، ولكن الضوء الذي تراه ليس ضوء نهاية النفق، بل ضوء القطار المقبل في الاتجاه المعاكس، فجهز نفسك للحظة التصادم الكبير. بالفعل قد لا تكون الانتخابات التشريعية هي ضوء نهاية النفق بل ضوء القطار المقبل، وبداية التصادم الكبير في مصر، إذا أخذنا مؤشرات العنف وخطف البشر كمؤشر أولي للمقبل.

القطار قد غادر المحطة، وفي طريقه إلى الاصطدام المروع، وبينما ينتظر الجميع الكارثة، جاءت وثيقة علي «السلمي» أو وثيقة الحل «السلمي» في محاولة بائسة، إما لتغيير مسار القطار أو فرملته لتفادي الارتطام الكبير، هذا هو الحل «السلمي».

والحل السلمي لا يرمز كما المعتاد في الكليشيهات العربية إلى حل قضية فلسطين بين العرب وإسرائيل، بل الحل السلمي هذه المرة مشتق من الاسم الأخير لنائب رئيس مجلس الوزراء المصري، الأستاذ علي السلمي. لقد أشعلت وثيقة السلمي حريقا جديدا في بر مصر، هيجت الوثيقة الإسلاميين، مما حدا بهم للنداء إلى مليونية جديدة ضد وثيقة السلمي، مليونية ستكون بمثابة البث التجريبي الثاني للدولة الإسلامية في مصر، فمن المتوقع أن تكون تلك المليونية أكبر من أي مليونية أخرى، ويبدو أنها لن تكون سلمية، لأنها تأتي في أعقاب أحداث ماسبيرو الطائفية، التي أحدثت شرخا كبيرا وعمقت الجرح في الجسد الوطني المصري، كما أن المليونية تأتي قبل انتخابات مجلس الشعب بأيام، مستغلة الوثيقة لحشد الإسلاميين للتصويت للمشروع الديني.

كتبت في مقال سابق أن الوثيقة لا تستحق كل هذه الضجة لأنها لا تحمل فكرة واحدة قادرة على ضبط الأوضاع في مصر، ولكنها أصبحت الكرة الوحيدة في الملعب السياسي، يتلقفها الجميع لخدمة أغراضه الضيقة. الوثيقة المطروحة لا تتعدى كونها محاولة لإيقاف قطار الدولة الدينية، الذي ترك المحطة وانطلق في اتجاه المجهول، ولكن الحقيقة التي لا يتحدث عنها أحد ونحن في انتظار لحظة الاصطدام الكبير هي أن جماعة السلمي ووزارته ومعهم المجلس العسكري هم من أطلقوا هذا القطار من خلال إصرارهم على فكرة الانتخابات أولا، بينما كل العالم يبدأ والدساتير أولا. ولكن المصريين من منطلق «خالف تعرف»، وضد كل ما يعرفه الناس عن بناء الدولة الفاشلة قرروا الانتخابات أولا بدلا من الدستور أولا، كما يفعل كل البشر تقريبا.

يظن البعض أن وثيقة الحل السلمي هي من بنات أفكار علي السلمي، ولكن الحقيقة هي أن الوثيقة ليست سلمية، بل عسكرية. وزارة عصام شرف ومعه نائبه علي السلمي ما هي إلا واجهة مدنية للمجلس العسكري، حكومة شرف هي منطقة عازلة بين العسكر وشعب مصر (buffer zone) يتجنب من خلالها المجلس العسكري التصادم مع الشعب، ويقع اللوم على شرف والسلمي وجماعته، وينجو المجلس من أي نقد محتمل، أو من أي مواجهة بين الجيش والشعب.

يجب ألا تُطرح وثيقة السلمي للنقاش مرة أخرى، ولا أن تكون محل جدل، لأن الناس لا يرون فيها إلا ما يريدون أن يروه؛ لقد أصبحت الوثيقة مادة سياسة وكرة لهب تلقفها الفرقاء ويلقي بها بعضهم على بعض. إن كان هناك بالفعل لدى المجلس العسكري رغبة في أن يكون للدستور المقبل مبادئ حاكمة، فليعلنها هو صراحة، ويتقدم بها بنفسه دونما لزوم لواجهة. الجميع يعرف أن للجيش مصالح كبرى، فللجيش أمواله وشركاته وأراضيه. الجيش ربما هو شركة أكبر من شركتي «أبل» و«آي بي إم» مجتمعتين من حيث استثماراته وأمواله. نفهم أنه يريد حماية كل هذا.. فلماذا لا يقول هذا ويريح ويستريح؟!

النقطة الثانية هي إيقاف هذه الانتخابات المهزلة التي ستجري في جو من الخوف والفوضى ومخالفة صارخة للإعلان الدستوري القائل بعدم القبول بالأحزاب الدينية، وكلنا يعرف أن الحرية والعدالة الإخواني حزب ديني، والنور السلفي حزب ديني، والوسط حزب ديني، والصوفيين حزب ديني. كل هذه الأحزاب الدينية ترهب الناس باسم الدين للتصويت في اتجاه معين، وتعلن صراحة أنها تريد دولة إسلامية. ربما يكون الورق أمام المجلس العسكري يقول إن هذه الأحزاب ليست دينية، ولكن هل ما نراه على أرض الواقع يقول إن هذه الأحزاب هي أحزاب شيوعية مثلا؟ المثل الإنجليزي يقول إن كانت تمشي مثل البطة وتصدر أصواتا كأصوات البطة.. إذن هي بطة. وهذه هي أحزاب دينية يا سيادة المشير وتريد لمصر أن تكون دولة دينية. وسيكتب التاريخ أن المجلس العسكري كان الراعي الرسمي للدولة الدينية في مصر، فالحل ليس سلميا يا سيدي، الحل في إيقاف هذه المهزلة.. إيقاف القطار وليس محاولة تهدئة السرعة أو الفرملة، لأن الضوء الذي تراه ليس نهاية النفق، بل ضوء القطار المقبل من الجهة الأخرى.