أطلقوا سراح مروان البرغوثي

TT

حينما طالب الرئيس الفلسطيني محمود عباس إسرائيل مؤخرا بإطلاق سراح المزيد من السجناء الفلسطينيين قبل أي مفاوضات محتملة، كان يضع شرطا ربما كان يعلم أن إسرائيل ستعترض عليه. وأحد السجناء على قائمته، وهو أحمد سعدات، متهم بقتل وزير إسرائيلي. والأكثر أهمية أن هناك سجينا آخر، إذا تم إطلاق سراحه، فسيكون من المرجح أن يشغل مقعد عباس عما قريب.

ولم يتجنب ذلك القادة الإسرائيليون. ففي حقيقة الأمر، يقال إن إطلاق سراح مروان البرغوثي، الذي يعد القائد الفلسطيني الوحيد الذي يتمتع بثقة كاملة من جانب حركة فتح والشعب الفلسطيني، قد أشير إليه في المشاورات الإسرائيلية رفيعة المستوى على أنه وسيلة للانتقام من عباس لمطالبته بالاعتراف بالدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة، وكوسيلة لتشكيل جيل جديد من القادة الفلسطينيين الأقل فسادا.

وعادة ما كان يطالب معسكر السلام الإسرائيلي بإطلاق سراح البرغوثي، ولكن مؤسسة الأمن عارضت ذلك بشدة. يذكر أن الناشط البالغ من العمر 52 عاما قد اتهمته إسرائيل بتوجيه العديد من الهجمات وتنظيم تفجيرات انتحارية ضد المواطنين الإسرائيليين، وحكم عليه عام 2004 بالسجن خمس مؤبدات.

لكن في سنواته الأولى كقائد للطلاب الفلسطينيين، ثم عضو بالمجلس التشريعي الفلسطيني، فتح أيضا قنوات اتصال ليس فقط مع اليسار الإسرائيلي، وإنما أيضا مع يمين الوسط، لأنه اعتقد أنه لا يمكن الوصول إلى اتفاق من دون «النشطاء السياسيين المعارضين لفكرة الحرب».

كنت أعرفه جيدا في تلك السنوات، قبل أن يتحول إلى مقاتل. وهو يتحدث العبرية ولم ينكر مطلقا حق الشعب اليهودي في دولة يهودية. ومع أنه دائما ما أوضح لنظرائه أن الدولة الفلسطينية سيكون لها طابع إسلامي، وكان فخورا بكونه مسلما، فإنه عبر أيضا عن ازدرائه للمتطرفين الإسلاميين.

وفي المقام الأول، لم يتم مطلقا الربط بينه وبين فساد المؤسسة الفلسطينية التي تشكلت حول ياسر عرفات. وحينما كان طالبا بجامعة بيرزيت في رام الله، كان يستثمر جهوده الأساسية في معسكرات اللاجئين والعمل الاجتماعي وفي تقديم المعونات للمرضى والفقراء وتنظيف الشوارع.

وفي عام 1987، نفي من قبل الراحل إسحاق رابين، الذي كان يشغل منصب وزير الدفاع حينها، بسبب دوره في تنظيم أول انتفاضة سلمية. وقضى البرغوثي سبع سنوات في منفاه، مبتعدا عن حاشية عرفات الفاسدة في تونس. وسمح له بالعودة مجددا عام 1994، بموجب اتفاقات أوسلو التي وقعها رابين نفسه، وفي عام 1996، انتخب في المجلس التشريعي الفلسطيني، حيث أصبح من أقوى منتقدي الفساد في حركة فتح. وفي عام 1995، كان من بين مؤسسي «التنظيم» وهو فصيل مسلح تابع لحركة فتح لعب دورا بارزا في الانتفاضة الثانية والتي كانت أكثر عنفا من سابقتها.

إذن، لماذا يمكن أن يفكر الإسرائيليون، ومن بينهم بعض الأفراد من مجتمع الاستخبارات، بجدية في إطلاق سراح البرغوثي؟

من جانب، يمثل هو وفصيل «التنظيم» الجيل التالي من القادة الفلسطينيين العلمانيين. وقد تمثل أحد أكبر أخطاء المؤسسة الإسرائيلية والمبعوثين الأميركيين خلال العامين الماضيين في العجز عن فتح قنوات الاتصال مرة أخرى مع فصيل «التنظيم»، الجماعة التي تجاهلها أيضا كل من محمود عباس ومسؤولوه.

ومن شأن البرغوثي أيضا أن يشكل فريق قيادة قويا مع رئيس الوزراء سلام فياض. وعلى غرار البرغوثي، ينظر إلى فياض باعتباره أكبر من أي صفقات قذرة. فقد شكل نظاما بيروقراطيا فعالا بشكل مؤثر. وتتودد إليه إدارة أوباما والعديد من الإسرائيليين. ومن المعروف أنه لا يوجد ود بينه وبين عباس، لكن الرئيس الفلسطيني بحاجة إلى فياض لضمان تدفق الأموال من الغرب.

وتكمن المشكلة في أن الفلسطينيين يتعاملون مع فياض على أنه خبير محترف، بوصفه الرئيس التنفيذي للسلطة الفلسطينية، ولكن ليس بوصفه قائدها. ويعتقد كثير من الخبراء أن إسرائيل والمفاوضين الغربيين يجب أن يشجعوا التعاون بين فياض والبرغوثي. ومن شأن تأييد «التنظيم» أن يأتي بالدعم الحيوي من الفلسطينيين لفياض وإصلاحاته.

وربما يكون هذا هو السبب وراء أن البعض من داخل القيادة الإسرائيلية، هؤلاء المهتمون بتطبيق حل الدولتين لإنهاء النزاع، ينظر للبرغوثي باعتباره شريكا محتملا، حتى لو كانت خطاياه لا تغتفر. فهو على الأقل صادق، ويتمتع بثقة الشعب الفلسطيني. وعباس، في المقام الأول، هو النائب السابق لعرفات، ونادرا ما كان قديسا في أعين اليهود، وفي سن السادسة والسبعين، يبدو مهتما بدرجة كبيرة الآن بإرثه.

إن جعل عملية السلام مرهونة بإطلاق سراح البرغوثي يشكل عقبة يستحيل على أي سياسي إسرائيلي اجتيازها. ويفهم عباس ومعاونوه ذلك جيدا. لكن حتى لو لم يكن بإمكان الإسرائيليين إطلاق سراحه الآن، فعلى الأقل يجب أن يفتحوا قناة الاتصال مجددا مع فصيل «التنظيم» وأن يسمحوا لممثليه بالتواصل الحر مع السجين البرغوثي.

ويجب أن يفهم العالم أن هناك ظاهرة إسرائيلية جديدة، ألا وهي أن معظم الإسرائيليين قد تحولوا إلى جانب اليسار فيما يتعلق بعملية السلام وأنهم مستعدون للتسوية، حتى لو اضطروا، لأسباب تكتيكية، للتصويت لصالح اليمين. إن غالبية الإسرائيليين سيدعمون حل الدولتين، حتى لو ضم قيام دولة فلسطينية تعترف بإسرائيل كما هي، بوصفها دولة يهودية، وكان حق العودة الفلسطيني مقصورا على فلسطين الجديدة، فيما كان حق العودة اليهودي قاصرا على دولة إسرائيل. وهم لا يعتقدون أن عباس مستعد لقبول هذا في هذه المرحلة.

وإذا ما أمكن الوصول إلى هذا الفهم مع فصيل «التنظيم» وفياض، فسيتم إطلاق سراح البرغوثي ليشغل مكانة في مشهد القيادة الفلسطينية.

* رئيس معهد تخطيط سياسة الشعب اليهودي ومراسل دبلوماسي كبير لحساب جريدة «معاريف» اليومية سابقا.

* خدمة «نيويورك تايمز»