نضج المسؤولين اليونانيين ضرورة لاستقرار النظام المالي العالمي

TT

على الرغم من الاتفاق على تشكيل حكومة ائتلافية في اليونان، فلا تزال المؤسسة السياسية الحالية غير مستعدة لقيادة تلك الحكومة نحو القرن الحادي والعشرين، ومن الواضح أن تغيير الأجيال وحده لن يكون كافيا. ولا بد من عكس الثقافة السياسية التي تنجح من خلالها المكاسب قصيرة الأجل للمسؤولين العموميين في تقويض المصلحة الوطنية الجماعية طويلة الأجل. إن الفشل في القيام بذلك لن يساهم إلا في زيادة السخرية وخيبة الأمل ومواصلة طرد معظم المواهب من اليونان إلى الخارج، وهو ما يهدد بتحويل اليونان إلى مجرد متحف قديم للسياح الأجانب.

في الحقيقة، لقد حان الوقت - إن لم يكن قد ولى بالفعل - لكي يتمتع المسؤولون اليونانيون بالحكمة ويعلموا أن مجرد الحديث عن تشكيل حكومة وحدة وطنية غير كاف بالمرة، ولكن هناك حاجة ماسة إلى تشكيل حكومة إنقاذ وطني، كما يجب أن يعلموا أن أي مغامرة سياسية أخرى لن يكون لها أي مردود. ويتعين على ألمانيا، على وجه الخصوص، أن تشدد الخناق عند الضرورة لاستباق حدوث أي سلوك خاطئ من شأنه أن يسرع من إفلاس اليونان ويفتح الطريق أمام الخروج من اليورو. وقبل كل شيء، من الصعب على أي زعيم أوروبي، أو مؤسسة مالية دولية، أن يستثمر المزيد من الموارد في اليونان. وقد خالفت المستشارة الألمانية والرئيس الفرنسي البروتوكولات للمرة الأولى وبشكل علني عندما أعلنا عن تزايد احتمال انفصال اليونان عن منطقة اليورو.

وللأسف، لم نشعر بتأثير الأزمة على نحو كامل حتى الآن، ولا سيما فيما يتعلق بالعواقب الاجتماعية. إن السيطرة على تلك الأزمة بأسرع وقت ممكن قد أصبحت أمرا بالغ الأهمية، حيث يجب إتباع مسلك عملي يتجنب الاستغاثة بالشعب ويعتمد على الخبرة الكبيرة للمختصين التقنيين. ويجب أن نعلم أن تحقيق توافق في الآراء حتى على أقل قاسم مشترك سيكون بمثابة تقدم في الوقت الراهن. ويجب كبح جماح التوقعات العامة باتخاذ إجراءات فورية والوصول إلى نتائج سريعة، كما يجب توضيح السياسة من خلال خطاب سياسي واضح وواقعي. في الواقع، تقتضي الضرورة اتخاذ إجراءات حازمة، وإلا فسيكون البديل هو استمرار التلكؤ وسنوات من التخبط في حالة من عدم اليقين محفوفة بالمخاطر.

إن اهتزاز قواعد منطقة اليورو في الوقت الذي يتأرجح فيه الاقتصاد العالمي على حافة الانهيار يعد بمثابة استخفاف متهور بالاتحاد الأوروبي والاستقرار الدولي، ولذا يجب عليهما ألا يقعا فريسة للخلافات الداخلية في اليونان ولا لعدم المسؤولية في غيرها من الدول الأوروبية الأعضاء، ولا سيما في حوض البحر الأبيض المتوسط. ويجب على الانتخابات القادمة في إسبانيا أن تشكل حكومة فعالة على استعداد لمواجهة الصعوبات وجها لوجه، ولا سيما معدلات البطالة التي تعدت 20 في المائة من عدد السكان في أوروبا. أما في إيطاليا، فقد انتهى عهد رئيس الوزراء برلسكوني، وهناك حاجة ماسة لاستبدال حكومة تكنوقراطية به. ومن غير المرجح أن يتكرر مع حدث مع اليونان في دول أخرى، ولكن من المحتمل أن تنفجر أوروبا من الداخل في حالة انهيار إيطاليا وتسحب الاقتصاد العالمي إلى أعماق لا يمكن التنبؤ بها في حلقة مفرغة إلى الأسفل.

وعلى الرغم من أن رئيس الوزراء اليوناني جورج باباندريو قد نجا من اقتراع على سحب الثقة في البرلمان، فإن رحيله قد أصبح حتميا في نهاية المطاف. وقد كان إحساس باباندريو بعامل الوقت سيئا للغاية بعدما أثار حالة من اللغط في الأسواق العالمية من خلال إعلانه بشكل عفوي عن إجراء استفتاء على مستقبل اليونان في أوروبا، ثم قيامه بإلغاء ذلك فجأة ودون أي مقدمات. لقد ساهم ذلك في فقدان اليونان لمزيد من المصداقية وألحق بشرعيتها ضررا لا يمكن معالجته. لقد حدث ذلك نتيجة لحالة من التردد وعدم الكفاءة وعدم وجود رؤية سياسية. في الواقع، كان يتعين إجراء هذا الاستفتاء - إذا كان ذلك قابلا للتطبيق - قبل شهور من الآن.

إن الاستفتاء الفاشل لباباندريو قد أثبت فشله في التعامل بفعالية مع الأزمة التي تمر بها البلاد. لقد كافح الحلفاء الأوروبيون لتقديم شريان حياة إلى اليونان حتى تتمكن من الوقوف على قدميها وقدموا لها مساعدات اقتصادية وسياسية، ولكن سلوك باباندريو الخاطئ قد بدد تلك المساعدات وترك القادة الأوروبيين عراة، وقد كان هذا جليا عندما فشل حتى في التشاور معهم أو حتى مع أعضاء حكومته، فيما يتعلق بإجراء الاستفتاء. ولحسن الحظ، أنه قد تم إلغاء الاستفتاء. وحتى الآن على الأقل، لا تزال اليونان تتبع المسار الأوروبي.

ربما يبرر باباندريو أفعاله بقوله إن ذلك هو السبيل الوحيد لإنقاذ اليونان، ولكن في حقيقة الأمر كان هذا تصرفا طائشا يعكس حالة من اليأس السياسي بهدف الحفاظ على منصبه وما تبقى من اسمه كحاكم للبلاد. وعلى عكس والده أندرياس باباندريو الذي شغل منصب رئيس وزراء اليونان في السابق وكان سياسيا محنكا في السياسة اليونانية، ظهر جورج باباندريو وكأنه أميركي يفكر وكأنه سويدي ويتحدث اليونانية. وفي نهاية المطاف، ورث باباندريو الإقطاعية السياسية للعائلة والتي تشمل الموظفين والخدم الذين لا يزال كثيرون منهم أعضاء في البرلمان اليوناني الحالي.

ومع ذلك، لا يتحمل باباندريو المسؤولية وحده، ولكن هناك أطراف أخرى مسؤولة عن ذلك، حيث إن التركة التي ورثها عن والده وأسلافه من سوء الإدارة الاقتصادية تعوق أي حكومة جديدة. في الواقع، المشكلة اليونانية ليست حزبية ولكنها تكمن في النظام، حيث تتفشى ثقافة المحسوبية وما يتبعها من علل وأمراض. وحتى رحيل باباندريو لن يغير المشكلات الهائلة التي تعاني منها اليونان بين عشية وضحاها، حيث إن أي وجه جديد لن يكون قادرا، في أحسن الأحوال، إلا على إيجاد وقت محدود وتوفير بعض المظاهر لبداية جديدة. ولن تتمكن الخطط الأوروبية الكبرى أو المساعدات المالية وحدها من حل تلك الأزمة، ولن يحدث تغير كبير ما لم يكن هناك تحول جذري في نفسية الجمهور مع مرور الوقت. في الواقع، يجب إعادة تقييم العلاقة الكامنة بين المواطن والدولة، كما يجب إعادة النظر في كثير من الأمور مثل تقليل الإنفاق العام وتخفيض الامتيازات.

* صحافي بريطاني