الرسائل والبحوث الجامعية: من درجات علمية.. إلى مشاريع استثمارية

TT

الرسائل والبحوث الجامعية الجادة، خلاصة عمل وجهد طلاب وباحثين وأكاديميين جادين، حصلوا بواسطتها على الماجستير والدكتوراه والترقيات العلمية، ولكن للأسف أصبح مصيرها أرفف المكتبات والمخازن، دونما استفادة منها في حل مشكلات المجتمع وخدمة مشاريع التنمية الشاملة.

هناك في عالمنا العربي الآن، الآلاف من رسائل الماجستير والدكتوراه وبحوث ودراسات الترقيات العلمية، بعضها جادة رصينة في منهجيتها وذات فائدة تطبيقية، قد كلفت أصحابها الكثير من الجهد والوقت والمال، والبعض الآخر مثل المنتجات رديئة النوعية والجودة، لا يمكن تطبيقها والاستفادة منها، حيث كان هدف أصحابها فقط الحصول على درجاتهم العلمية بقليل من الجهد وفي موضوعات علمية مستهلكة بحثيا، لتكون النتيجة في النهاية امتلاء أرفف المكتبات والمخازن بالغث والثمين من هذه الرسائل والبحوث، ومن دون الاستفادة من البحوث الجادة منها في خطط ومشاريع استثمارية مثمرة تفيد المجتمع.

ولعل السؤال الذي يطرح نفسه، هو: كيف يمكن تسويق الرسائل والبحوث الجامعية الجادة، وتحويلها إلى مشاريع استثمارية؟

أولا، لا بد أن يستشعر الجميع أن تقدمنا ونهضتنا ومكانتنا بين الأمم، لن تتم إلا بالبحث العلمي الجاد وتقديرنا للعلم والعلماء وتحسين أوضاعهم المادية، وتوفير الدعم المادي والمعنوي والتفرغ التام لإنجاز أبحاثهم ومشاريعهم البحثية، حتى لا ينشغلوا بتحسين أوضاعهم المادية، ولن يتم هذا إلا بنشر ثقافة قيمة وأهمية البحث العلمي وأنشطته في تطوير المجتمعات، من خلال المناهج التعليمية والمؤسسات الإعلامية، ولعل البداية لتحقيق القيمة التطبيقية للبحوث العلمية، تكون في خطط الدراسات العليا والتسجيل للطلاب لدرجات الماجستير والدكتوراه، وكذلك في نظم الترقيات الجامعية. فما لم ترتبط خطط التسجيل لطلاب الدراسات العليا بحاجات واحتياجات المجتمع، وما لم يتم اختيار موضوعات التسجيل بعناية، وما لم تعدل سياسات الترقيات العلمية، سوف تظل غالبية هذه الرسائل والبحوث تحلق في أهداف بعيدة كل البعد عن حاجات ومشكلات المجتمع ومتطلبات مؤسساته، هدفها فقط الحصول على الدرجات الجامعية والترقيات العلمية بأسهل الطرق والوسائل.

الملاحظ أن غالبية طلاب الماجستير والدكتوراه، قد لا يحسنون اختيار موضوعاتهم للتسجيل ويتسرعون في ذلك، فقد تكون موضوعات بحثية مستهلكة، وافقت عليها الأقسام العلمية في عجالة، لتكون النتيجة حصولهم فقط على الدرجة العلمية، ويكون مصير رسائلهم الأرفف. وبالنسبة لبحوث الترقية العلمية للأكاديميين، نجد أن من شروط الترقية، إنجاز أكثر من بحث، وأن تكون بعض البحوث المقدمة للترقية فردية تحمل اسم باحث واحد، ولذلك لم يعد هناك اهتمام لدى البعض بنوعية وجودة البحوث، وإنما المهم هو في كثرتها، في حين أن اشتراك أكثر من باحث واحد أي فريق بحثي في عمل واحد ذي أهمية للمجتمع والوطن، وكما يحدث في الدول المتقدمة، يثري البحث ويرفع من جودته وقيمته وطنيا وعالميا.

ولتحسين قيمة وجودة الرسائل والبحوث الجامعية، لا بد من التوسع في إنشاء وحدات لتسويق البحوث بالجامعات، تكون بمثابة قناة اتصال وتواصل بين الدراسات العليا والمراكز البحثية بالجامعات، ومؤسسات وقطاعات المجتمع المعنية باستخدام وتطبيق هذه البحوث، حيث يمكن لهذه المؤسسات أن تقدم للجامعات قائمة باحتياجاتها من موضوعات بحثية سوف تستفيد منها في تطوير مشروعاتها وأعمالها، مع توفيرها للدعم المناسب لهذه البحوث، وإتاحة فرص التدريب وإجراء التجارب العملية للباحثين، ويمكن أيضا للجامعات أن تعد سلسلة من الكتيبات عن الموضوعات البحثية التي تم إنجازها وقيد الإنجاز ويتم توزيعها على مؤسسات المجتمع وقطاعات الأعمال، والتي يمكن أن تجد فيها ما يناسب احتياجاتها من بحوث للتطوير وحلول للمشكلات التي تواجهها، مع تنظيم لقاءات مستمرة بين المستثمرين والباحثين ليتعرف الطرفان على البحوث والدراسات والأنشطة ذات الاهتمام المشترك التي تحتاج إلى دعم وتعاون مستمر، الأمر الذي يمكن أن يحقق التلاحم بين قطاع الدراسات العليا بالجامعات ومؤسسات وحاجات المجتمع.

ومن المهم أيضا إعداد طلاب الدراسات العليا، لمرحلة ما بعد الماجستير والدكتوراه، وذلك بتدريبهم على إلقاء أبحاثهم في المؤتمرات العلمية، ونشرها في المجلات العلمية المحكمة.

وحتى يستشعر المجتمع بقيمة وأهمية البحث العلمي، لا بد من طباعة الرسائل والبحوث الجامعية الجادة ذات القيمة التطبيقية التي تلبي حاجات المجتمعات المحلية، في طبعات شعبية للجمهور، حتى يشعر المواطن العادي بدور البحث العلمي التطبيقي وأنشطة البحث في الجامعات، وبالتالي تقدير قيمة العلم وجهود العلماء.