الرجل الذي يداري الدوائر

TT

عندما يتخذ كل قطب مداره، يمينا ويسارا، ماذا يفعل الوسيط؟ لا أذكر مرحلة من تاريخ لبنان خلت من التجاذب السياسي، وغالبا الطائفي. لكن ما نعيش منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري تجاوز كل تجاذبات الحروب السياسية، وأحيانا العسكرية. هناك انقسامات حادة بين الطوائف وضمنها. وبين المذاهب وضمنها. وهناك انقسام ضمن الحكومة مع أنها من طيف واحد بعدة ألوان. وفي قلب كل هذه الصراعات تقف رئاسة الجمهورية، في ما يسمى الدائرة الأولى. وفي الدائرة الثانية يصطلي الصراع العربي والدولي وتتفاقم أحداث سوريا والمخاوف عليها. وقد تكررت في الأيام الأخيرة زيارات المسؤولين الأميركيين وتحذيرات واشنطن، بأن لبنان سوف يعاقب، إذا حاول مساعدة سوريا على تجنب العقوبات. وفي الدائرة الثالثة ينقسم اللبنانيون حول سلاح المقاومة وتمويل المحكمة الدولية والموقف من طاولة الحوار.

مر الرؤساء اللبنانيون في مآزق وطنية وسياسية كثيرة عبر السنين. لكن الرئيس ميشال سليمان يحاول أن يمنع الدوائر الثلاث من التصادم أو الاحتكاك. ويدرك أنه بقدر ما إن المرحلة تاريخية ومعقدة بقدر ما إن دوره صعب ومعقد. لكنه ليس مستعدا، تحت أي ظرف، للخروج من دائرته الوسطية، أو المركزية، بين اللبنانيين.

يقول لزائره إن الرئاسة في بلد مثل لبنان، حتى في الظروف العادية ومراحل الهدوء، رسالة لا مسؤولية. والمسؤولية الوحيدة هي المحافظة على هذه الرسالة. ويقول إن بعض أسلافه أدار الأزمات الكبرى، أما هو فقد جعل على عاتقه، منذ خطاب القسم، إدارة المصالحات الكبرى، وتعبيد الطرق الشاقة، ومحاولة الإبحار بالبلد وسط العواصف التي تضرب المنطقة بتلاحق لا سابقة له.

هل هو مطمئن؟ بلوغ الاطمئنان في عالمنا الحالي يتطلب شروطا غير بسيطة: «لكنني لست خائفا. لقد اعتاد اللبنانيون العيش على الحافة، لكنهم يدركون أيضا معاني التوافق. يثورون في سرعة لكنهم يهدأون في سرعة أيضا. ليس من لبناني لا يعرف مدى عطوب المرحلة. لذلك يذهبون إلى الحافة ويعودون».

كيف يرى الرئيس العالم من حوله، الدائرة الثانية والثالثة؟ ليس مفاجأً.. العالم يتغير من دون أن يأخذ وجهة نظرنا في الموضوع. هل كنت تتوقع أن تصبح سيدة مغربية وزيرة للعدل في فرنسا، تحكم في شؤون القانون والقضاء؟ هل تلاحظ كم قل عدد «الأصليين» في نيويورك ولندن وباريس وربما بكين وطوكيو؟ إننا نتجه إلى عالم ديمقراطي رغما عنا. عولمة يديرها مهاجرو الدول الناهضة وليس الدول التقليدية الكبرى. أبناء البلدان المستعمرة وليس أبناء الإمبراطوريات. ونحن جزء من هذا العالم. ربما الجزء الأكثر صعوبة لكن أيضا الجزء الأكثر تعددا. ما هي العولمة؟ أليست هي التعدد في الأنسنة؟