مساوئ الديمقراطيين

TT

نكرر النقل عن ونستون تشرشل بأن الديمقراطية هي أفضل الأنظمة السيئة، لكن عندما تسوء الديمقراطية يكون سوؤها فظيعا: ها هي اليونان تتخلى عن جورج باباندريو الحفيد، بعدما أمضت عمرا تقترع لجده، ولوالده، أندرياس باباندريو. اقترعت للثلاثة بالعاطفة والهوس لا بالعقل. وبدأ السقوط الاقتصادي مع أندرياس، أما ابنه فتمادى.

وإيطاليا تتخلى أخيرا عن سيلفيو برلسكوني الذي أبقته نحو ربع قرن، على الرغم من الاتهامات بالفساد، والاتهامات بالهوس الجنسي، والاتهامات بانعدام سائر أنواع الثقافة السياسية أو الفكرية أو حتى الفنية، باعتباره مغني بواخر سابقا. ولم يخلع برلسكوني أو باباندريو الناس، بل الوحدة الأوروبية وأسواق العالم. وكلا البلدين استعان – أخيرا – بخبير اقتصادي لمحاولة رفع البلد عن حافة الانهيار، التي دفعه إليها الرئيس «الشعبي».

لعل أفظع كارثة أوقعتها ديمقراطية الأكثرية، كانت انتخاب جورج بوش الابن. لم تدفع الثمن أميركا وحدها، بل تقريبا العالم أجمع. بالاقتراع الديمقراطي أسقط الفرنسيون شارل ديغول وأسقط البريطانيون مارغريت ثاتشر. وظل الإسرائيليون يباهون بأنهم «الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط» إلى أن انتخبوا بنيامين نتنياهو ثم جددوا انتخابه، وهو الرجل الذي يقول أوباما إنه لا يطيق التعامل معه، ويقول ساركوزي إنه كذاب.

سقط في الانتخابات البرلمانية في لبنان، على مر السنين، بعض أفضل رجال البلد: سليم الحص، وفؤاد بطرس، وغسان تويني، ونسيب لحود، وجان عبيد.. وكثيرون. لا أعرف إلى أي مدى يمكن أن يؤتمن الناخب على مصير بلده. لقد أسقط المقترع البريطاني ونستون تشرشل بطل الحرب العالمية الثانية، وأسقط الأميركي، مرارا، مرشحي النخبة. وفي الكويت سقط برلمانيون كبار أمام مرشحي خيام الخواريف.

لا يمكن ائتمان النظام البرلماني؛ لأنه لا يمكن ائتمان الطبيعة البشرية؛ فالناس أكثر حرية في الدول الديمقراطية، لكنهم ليسوا بالضرورة أحسن اختيارا. ولا يعني هذا، حتى في حالة بالغة السطحية، مثل برلسكوني، أن الديكتاتورية أفضل، لكن لا بد من الانتباه إلى أن الرجل السيئ يمكن أن يشوه النظام الجيد، وأن الرجل الكفء قادر على تصحيح فجوات الأنظمة السيئة.

هكذا فعل نيكيتا خروشوف بعد ستالين، وهكذا تجدد النظام الفرنسي في جمهوريات متتالية، وهكذا ترك كلينتون الرئاسة والفائض الأميركي تريليونا دولار. والدين بعد جورج بوش 14 تريليونا.