الخبرة ولا شيء غيرها

TT

إليكم هذه (الواقعة الواقعية)، بطلها دبلوماسي فرنسي اسمه (برنارد بورسيكو) كان يعمل في سفارة فرنسا في بكين عام 1964، وفي إحدى حفلات السفارة تعرف على حسناء صينية تجيد اللغة الفرنسية وهي ممثلة وراقصة مشهورة تدعى (شي باي بو) ولها معجبون من الزعماء الشيوعيين بمن فيهم (ماوتسي تونغ).

وتوطدت العلاقة بينهما في ما بعد إلى درجة أنهما كانا يلتقيان ولكن بشكل سريع ومتقطع بسبب كثرة التزاماتها، وكانت لقاءاتهما تتم دوما في الظلام بسبب الخوف من أعين الرقباء، والسبب الثاني الأهم هو الخجل الشديد الذي تتحلى به (شي) نتيجة نشأتها وتربيتها الصينية المحافظة، وذلك على حد زعمها.

ولما انتهت خدمة (بورسيكو) في الصين نقل إلى السعودية، واستمرت العلاقة بينهما بالمراسلة، وفي سنة 1965، وصلته رسالة منها تخبره بأنه أصبح أبا لمولود وضعته وسمته (برنارد) تأسيا باسمه. وبذل هو المستحيل مع المسؤولين حتى نقلوه مرة ثانية إلى الصين، وعندما عاد كانت (الثورة الثقافية) قد بدأت، وتعطلت في البلاد معظم النشاطات الفنية بما فيها دار الأوبرا التي كانت تعمل هي بها، ومع ذلك استمرت لقاءاتهما الليلية الظلامية، غير أن المخابرات الصينية اكتشفت علاقتهما، وهددوه إما أن يعطيهم معلومات استخبارية عن فرنسا أو إرسال حبيبته الفنانة المشهورة إلى (معسكرات العمل) التي هي أشبه ما تكون بالسجون، فرضخ لهم، واستمر على هذا الحال عدة أعوام، ثم أعادته وزارة الخارجية إلى فرنسا، وفقد الاتصال بـ(شي)، ولكنه لم ييأس واستطاع بشكل أو بآخر أن يحصل على عنوانها، وتمكن من إقناع المسؤولين بجلبها إلى باريس على أساس أنها زوجته، ووصلت بالفعل مع ابنهما الذي بلغ من العمر السادسة عشرة، وذلك في سنة 1982، وعاش الثلاثة في منزله كعائلة واحدة. غير أن معلومات موثقة وصلت إلى الاستخبارات الفرنسية كشفت تورطه في الخيانة التي اقترفها بتسريب أسرار سياسية لحكومة الصين، فقبضوا عليهما وأودعوهما السجن. وعند التحقيق معهما اكتشفوا المفاجأة المدوية التي لم تكن تخطر على البال، حيث إنه اتضح أن المدعوة (شي) ما هي إلا رجل وليس امرأة، وحكموا عليهما بالسجن المؤبد، وأطلق سراح (شي) بعد أربعة أعوام بعفو من الرئيس (ميتيران)، أما هو فقد ظل بالسجن حتى مات.

الذي يهمني من هذا الموضوع كله هو ما نطق به القاضي عندما قال له: «إنك بعملك هذا قد أخجلت فرنسا بكاملها، فكيف لك وأنت الرجل الفرنسي لا تفرق بين الذكر والأنثى بعد معاشرتك (لها أو له) طوال هذه الأعوام؟! والرجل الفرنسي مشهود له في العالم أجمع بأنه (لمّاح عاطفيا). إن غباءك هذا هو أفدح من إفشائك لأسرار بلادك». وختم كلامه قائلا له بغضب: «هل تريد أن أبين لك عمليا الفرق بين الرجل والمرأة؟!». ورد عليه (بورسيكو) بكلام أبرد وأسخف من فعله عندما قال: «كيف لي أن أميز ومعاشرتنا كلها كانت تتم بالظلام الدامس، نتيجة للخجل الزائد الذي يسيطر على كل جوانحها؟! إن عيني ليست عين قط حتى أشاهد بالظلام».

واتضح أن الابن ما هو إلا (لقيط) أخذته - أو بمعنى أصح - أخذه (شي) من أحد الشوارع ونسبه لـ(بورسيكو).

أعجبني منطق القاضي في غيرته على خبرة الرجل الفرنسي في المجالات العاطفية الحميمة.

ويا ليته كان يعرف خبرة الرجل العربي كيف تكون؟! أكيد كانت سوف تطير (عصافير عقله).

[email protected]