أوباما وساركوزي.. المناقشات الحقيقية خلف الكواليس

TT

في حوار خاص بين الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، ونظيره الأميركي باراك أوباما، وصف ساركوزي بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، بالـ«كاذب»، وكان هذا الحوار قد أجري على هامش قمة مجموعة العشرين التي عقدت في مدينة كان الفرنسية الأسبوع الماضي، وقد تمت إذاعته للصحافيين عن طريق الخطأ.

قال ساركوزي لأوباما «لقد سئمت منه.. إنه كاذب»، فيما رد عليه الرئيس الأميركي قائلا «هل ضقت ذرعا به؟ لكن أنا علي أن أتعامل معه بصورة يومية».

وبالطبع فقد سعى البيت الأبيض يوم الأربعاء الموافق 8 نوفمبر (تشرين الثاني) إلى الحد من الأضرار التي قد تلحق بالعلاقات الأميركية الإسرائيلية جراء مجاهرة الرئيس الفرنسي بوصف نتنياهو بالـ«كاذب» في حديث خاص له مع أوباما. وقال بن رودس، نائب مستشار الأمن القومي الأميركي، مشيرا إلى أوباما في حديث له مع الصحافيين «إن تاريخنا يوضح مدى إخلاص الرئيس لإسرائيل، كما أن هناك علاقة عمل وطيدة تجمع بين أوباما ونتنياهو». ويبدو أن هذا المبرر ما هو إلا أكذوبة أخرى.

دعوني أذكر أن استراتيجية نتنياهو تعتمد وبشكل أساسي على الكذب، حيث كان قد اعترف بأن هذه هي استراتيجيته. ووفقا لصحيفة «هآرتس» الإسرائيلية في عددها الصادر بتاريخ 15 يوليو (تموز) 2001 «قال نتنياهو، مقدما لجمهوره نصيحة عن كيفية التعامل مع الصحافيين الأجانب: بغض النظر عما إذا كنت مصيبا أم مخطئا، يجب أن توضح دائما أنك على صواب».

إننا هنا نواجه ثلاثة أمور يرتبط بعضها ببعض:

الأمر الأول يتمثل في أن نتنياهو «كاذب»..

الأمر الثاني هو أن ساركوزي ضاق ذرعا بنتنياهو..

أما الأمر الثالث فهو أن أوباما مضطر للتعامل مع نتنياهو بصورة يومية.

إنني أعتقد أن معظم السياسيين كاذبون، ونتنياهو هو أعظم مثال على ذلك، فقد قال السياسي النمساوي الشهير مترنيخ ذات مرة إن الله أعطى البشر لسانا حتى يستطيعوا أن يعبروا به عن عكس ما في قلوبهم. بتعبير آخر، يتحدث السياسيون مستخدمين ألسنتهم الخشبية أو البلاستيكية.

وفي بعض الأحيان يتمكن السياسيون أو صناع القرار من إخفاء أكاذيبهم، غير أنه من الواضح أن الوقت ليس في صالح الشخص الكاذب، وسوف تظهر الحقيقة في النهاية، وسينظر الجميع إليه كما لو كان يقف عاريا في ميدان ما، وسيصيحون واصفين إياه بالـ«كاذب». وكتب توني بلير في مذكراته، التي أطلق عليها اسم «الرحلة»، أن أعضاء حزب المحافظين وصفوه وأطلقوا عليه اسم «توني الكاذب»، وذلك كما جاء في («الرحلة».. ص 459).

ويقول بلير «كم من مرة أخبرني أناس عن السياسيين في الحكومة الإيرانية أنهم كشيعة لن يقوموا أبدا بتشكيل تحالف مع السنة في الشرق الأوسط؟» (ص: 386).

ومن الواضح أن هذا ليس حقيقيا، فكما نعرف جميعا أن أميركا وأوروبا قد أدانتا إيران نظرا لقيامها بدعم حركة حماس وحركة طالبان في أفغانستان، وكذلك بعض السنة في العراق، إذن فكيف يمكننا أن نرى اتساقا بين تلك التصريحات؟

لكن الأكذوبة الكبرى هي عملية السلام في الشرق الأوسط، فعلى مدار العقد الماضي، كانت إسرائيل تلح في طلب السلام، إلا أنها الآن قامت بتحويل انتباهها من السلام إلى الأمن. وقد اعترف نتنياهو، في خطابه الشهير أمام الكونغرس الأميركي، بأن عملية السلام هي مجرد سراب في صحراء جرداء، كما ذكر أنه لا يؤمن بحق فلسطين في أن تصبح دولة مستقلة، بمعنى أن الدولة الفلسطينية ستكون مجرد وهم بناء على تفسيره.

وذات مرة، تحدث أوباما عن حل الدولتين؛ إلا أنه من الناحية الأخرى يعارض حصول فلسطين على عضوية الأمم المتحدة. ويعد هذا النفاق هو جوهر وأساس الكذب. يواجهنا الآن سؤال شديد الأهمية هو: لماذا يكذب معظم السياسيين؟ ولماذا يعتقد ساركوزي أن نتنياهو كاذب؟ ولماذا قامت أميركا وحلفاؤها بغزو العراق معتمدين فقط على أكذوبتين كبيرتين (هما تصنيع أسلحة دمار شامل ووجود علاقات مع تنظيم القاعدة)؟ وذكر ديك تشيني، في كتابه «في زمني»، في الفصل الخاص بالاستخبارات والسياسات، أن التقرير الذي أشار إلى وجود أسلحة دمار شامل في العراق غير صحيح، وأن الاتهامات التي وُجهت ليست في محلها، غير أنه لم يذكر من الذي أصدر هذا التقرير! إننا نستطيع أن نذكر قول الرئيس بوش في خطاب «حالة الاتحاد»: «لقد علمت الحكومة البريطانية أن صدام حسين قد سعى مؤخرا للحصول على كميات ضخمة من اليورانيوم من أفريقيا»، وكانت هذه الأكذوبة هي السبب الرئيسي وراء غزو العراق.

وأعتقد أن هناك سببين جوهريين للكذب.. السبب الأول هو أن معظم السياسيين منافقون، وعندما يعتقد نتنياهو أنه مصيب في كل ما يقوم به، فإن هذا يعني بوضوح أن تفسيره لكلمة «صواب» يختلف تماما عن تفسيرنا نحن لتلك الكلمة! وهذا الأسلوب يعتمد على نظرية الأخلاق.

إن نظرية النتائج التي تتبع نظرية الأخلاق تقول إن مسؤوليتنا الأخلاقية تعتمد على تحديد عواقب أفعالنا. ويتم تحديد السلوك الأخلاقي الصحيح فقط عن طريق تحليل النسبة بين التكلفة والمنفعة في نتائج فعل ما. وهذا هو سبب المواقف المتنوعة والأساليب المختلفة التي اتخذتها أميركا وبريطانيا في أوقات مختلفة.

وقد ذكر توني بلير في كتابه بعض الأخطاء الاستراتيجية التي اقترفتها أميركا والغرب: «في الثمانينات قمنا بتسليح صدام حسين والمجاهدين في أفغانستان، وذلك لعرقلة إيران من ناحية والاتحاد السوفياتي من ناحية أخرى. وقد كانت هذه خطوة مرحلية، إلا أنها كانت خطأ استراتيجيا» («الرحلة».. ص: 388).

وفي أغلب الأحيان تعتمد مثل هذه الخطوات المرحلية على تحليل التكلفة بموازاة المنفعة. وعندما لا يتمكن سياسي أو صانع قرار من رؤية الأفق البعيد، وعندما لا يعرف منطقة ما وشعبها، تصدمه الحقيقة الخالصة بعد عقد من الزمان وحينئذ فقط يدرك أنه اقترف خطأ استراتيجيا.

في الحقيقة إن إسرائيل لم تؤمن يوما بحل الدولتين، كما أنها لم تعترف بحقوق الفلسطينيين، ونتيجة لذلك فهي مستمرة في الكذب وفي استخدام مبررات جديدة كل يوم. إن إسرائيل تلعب بالوقت عن طريق إلحاحها باستمرار على عقد مفاوضات (لا نهاية لها).

ولم يكن هذا الحوار الذي دار بين ساركوزي وأوباما هو أول حوار يتسرب، فقد حدثت حالة مشابهة في بطرسبرغ، عندما تسرب حوار بين جورج بوش وتوني بلير خلال الحرب التي دارت رحاها بين إسرائيل وحزب الله. حينئذ، كان بوش يتحدث عن كوفي عنان، وكانت الطريقة التي يتحدث بها تجعل المرء يتساءل عما إذا كانت الأمم المتحدة أحد الأقسام داخل البيت الأبيض!

وهذه هي نتيجة النفاق ونظرية النتائج، وهما من الأساليب الميكافيلية في العالم الحديث، وهذا هو جوهر الحديث الخاص الذي دار بين أوباما وساركوزي.