ورسب الأسد في الجامعة!

TT

كان من الطبيعي والمنطقي والأخلاقي أن يصدر قرار تعليق مشاركة سوريا في اجتماعات جامعة الدول العربية (وهي العبارة المهذبة البديلة التي تم التراضي والتوافق عليها بدلا من تعليق أو شطب عضويتها)، لقد تطورت الأمور على الأرض السورية بشكل لا يُصدق، حتى بات الدم والقمع هو العنوان الوحيد لما يحصل فيها. ومنذ أن أكد الرئيس السوري للعالم أنه أصدر أوامره بوقف القتل منذ شهور بعيدة مضت، استمر من بعد ذلك مسلسل القتل، وفقد الرجل مصداقيته أمام المجتمع الدولي. وبالتالي كان من المهم أن يحصل أي نوع من المواقف التي تظهر بشكل جاد وقوف العالم مع الشعب ومحاولة وقف الإجرام المستمر بحقه، وذلك على الرغم من حصول النظام السوري على الفرصة تلو الأخرى، والمهلة تلو الأخرى، لأجل إجراء حلول سياسية عملية تفي بالغرض المطلوب وتؤمن الانتقال السلمي ووقف القتل وخلو المدن والقرى من المظاهر العسكرية بكل أشكالها فورا.

ولكن النظام السوري تعود على إدارة كل أموره بالأسلوب القمعي، نجح في ذلك أيام الأب حافظ الأسد، وظن الابن بشار الأسد أنه قادر وجدير بتطبيق نفس المفهوم والأسلوب، ولكن فاته أن يفهم أن ذاك زمن قد ولى، وهذا عصر جديد. اليوم يدفع الشعب السوري بأسره ثمن الغطرسة والجبروت والطغيان، سنوات من التنكيل والاحتقار للشعب وسلب الكرامة والحرية والحقوق، كل ذلك كان يروج لصالح أوهام، مثل العروبة والقومية والمقاومة والاشتراكية، وهي جميعا شعارات فارغة جوفاء لم يأكل منها الشعب ولم يشبع ولم يجنِ منها سوى الانكسار والمهانة.

واليوم ها هم بعض شرفاء العرب يقررون بوقفة أحرار أن الشعب السوري أبقى وأجدر من نظام ينكل به ويقتله، وأن الشعب السوري قادر على صنع نظام سياسي محترم يليق بشعب محترم بدلا من أن يورث حكما يبقيه في مزرعة مملوكة وكأنهم قطعان للبيع. اليوم الجامعة العربية تقوم بدور إقليمي جديد عليها، ولكنها جديرة به، وآن الأوان أن تلعبه. إننا اليوم أمام كيان إقليمي مختلف بحكم الظروف المستجدة.

نظام الأسد انتهى بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، انتهى سياسيا واقتصاديا وشرعيا وأخلاقيا، وعلى السوريين أولا والعرب ثانيا والعالم ثالثا، التعامل مع المرحلة التالية، ومد جسور الثقة للمعارضة التي تبناها الشعب وتبنته، وعلى العالم القيام بتوفير منطقة عازلة آمنة لتمكين الحراك الإنساني لدعم المحتاجين في سوريا، وهي المسألة التي لم يعد النظام قادرا على عملها، بل هو الأساس في تفاقم المشكلة فيها.

إننا اليوم أمام وضعية إنسانية سياسية بامتياز، ووضعية تستدعي الحراك الفوري بشكل موحد، ودونما اكتراث إلى تهديدات واستجداء نظام ساقط وأدواته المضحكة، التي تبرز في تصريحاته السياسية وأخباره الإعلامية. لم يعد من الممكن ولا المقبول السكوت على مجازر النظام المستمرة في حق شعبه، وهي جرائم تظل أكثر وأفظع بكثير مما نعرفه، ولكن الأيام القليلة المقبلة كفيلة بفضح وكشف هذه التجاوزات بشكل مرعب وحقيقي.

المسرحية الهزلية التي قام بها مندوب النظام السوري في الاجتماع الأخير بجامعة الدول العربية هي مرآة للنظام نفسه، وانعكاس لهشاشة الوضع الذي أصبح فيه، وفشل ورسوب النظام في الجامعة العربية تماما. العد التنازلي «لإغلاق» مسرح العبث وحكم العبث في سوريا الأسد بدأ، والكل يجب أن يتحد لبناء سوريا موحدة قوية مليئة بالأمل، فهي تستحق ذلك بعد سنوات العذاب الطويلة جدا. وليس هناك أفضل من تذكر ما يردده السوريون الثوار الأحرار في ثورتهم بشكل يومي: سوريا بدها حرية.

[email protected]