الحقيقة واحدة والباقي هدر

TT

لم تنتبه دمشق حتى الآن إلى الحقيقة الأولى، وهي ليست الفارق في أعداد المتظاهرين مع النظام والمتظاهرين ضده، وليست الفارق فيمن يحل أولا، تحقيق الإصلاحات أو منح الحكومة الفرصة لتحقيقها، وليست أن ترى أن اليمن وحده صوت إلى جانبها، بينما صوتت ضدها حتى دول مثل الجزائر والسودان والأردن. وليست في حجم العزلة الدولية قبل الوصول إلى العزلة العربية التي لا سابقة لها في تاريخ الجامعة إلا في ذهاب مصر إلى كامب ديفيد.

الحقيقة الأخرى، أو الحقيقة الكبرى، هي أن المتضرر الأكبر مما يحدث منذ سبعة أشهر، ليست المنطقة المهددة بالاحتراق، ولا الدول التي تهاجم سفاراتها على الطريقة القذافية، وإنما هي سوريا، نظاما وشعبا. والمسؤولية في كل ما جرى ليست مسؤولية «الدول المتآمرة» ولا «الدول المتعاملة» ولا «المعارضة الخائنة» بل هي مسؤولية النظام الذي يملك القرار ويملك القوة ويملك مفتاح العلاقات العربية والدولية، التي فقدها واحدة بعد الأخرى، بعدما كان يقيم علاقات بدت عائلية لفترة ما، مع تركيا والسعودية وقطر وحتى فرنسا.

لا تستطيع الدول أن تنظر إلى شعوبها على أنها أقليات وأكثريات، فألف قتيل هم ألف كارثة وطنية، وألف معتقل سياسي هم ألف خطأ سياسي، وألف شبيح أو فظ أمني هم ألف عيب وطني لا يمكن تبريره، أمام أي قانون. لقد مضت سبعة أشهر الآن على دوران سوريا في حلقة مفرغة من السلوك السياسي والدمار الدموي، ولا يقلل في شيء من فظاعة الكارثة أن النظام يواجه معارضة منقسمة ومشتتة، فالمسألة ليست ولا يمكن أن تكون ضعف المعارضة وبدائيتها، بل هي دائما ضعف النظام، وتصرفه القمعي حيال شعبه، ووضع الجيش، بكل قواه، الثقيلة أو العادية، في وجه الناس وفي ساحات المدن.

لا يمكن حل مأساة متفاقمة بالمزيد من الذرائع الإعلامية التي لا تعني أحدا، ولا بقبول المبادرات في بيان رسمي والاستمرار بقصف الناس في الميادين. فأي خطوات انفراجية أو مقنعة أو ذات معنى، هي التي يتوجب أن يتخذها النظام. المشكلة في نهاية الأمر ليست مع تركيا ولا مع فرنسا ولا مع قطر ولا مع الجامعة، التي أول ما فعل أمينها العام، السفر إلى دمشق والوقوف على خاطر الرئيس السوري. إن الاتكال على إزالة أوروبا عن الخريطة والذهاب إلى روسيا والصين ومعهما إيران، لا يعني شيئا في عزلة سوريا، ولا يفيدها إلا في خداعها وفي إنكار الحجم الذي وصلت إليه الكارثة. لعل دمشق تستخلص واقع الحال من أنها لم تجد مؤيدا سوى لبنان، الحاضر دائما، واليمن صاحب المظاهرات المؤيدة.