دولة القانون

TT

«الثورة لا تحل تماما وكليا المشكلات والقضايا التي تواجهها، بل تضع الإنسان في موقع يستطيع منه أن يختار كيف يمكن له أو يجب عليه حلها، إنها تحل بعض أو الكثير من هذه المشكلات والقضايا، ولكنها تخلق بعض أو الكثير من المشكلات والقضايا الأخرى التي يتعين عليها أن تواجهها».

هذه الفقرة البليغة هي جزء من الكتاب الهام للدكتور نديم البيطار الصادر عام 2002 بعنوان «التجربة الثورية يبن المثال والواقع».

خلاصة هذه العبارة أن الثورة أي ثورة لا تحل كل المشكلات دفعة واحدة، وأنها أيضا في سبيلها لإقامة النظام الجديد تواجه أو تخلق مشكلات أو قضايا جديدة.

وفي يقيني الراسخ أن أحد أهم أسباب الثورات هو الوصول إلى قاع الإحباط، والسعي إلى الحصول على حل كامل لكل أسباب الإحباط دفعة واحدة.

الثورة ترفع سقف الأحلام والتوقعات فور إسقاطها للحكم الذي ثارت ضده.

كلما طالت الفترة الزمنية دون تحقيق الحلم ضعف الحلم الثوري، وكلما ساءت الأمور عما كانت عليه قبيل الثورة، يبدأ البعض في الترحم على أيام ما كان يعرف بزمن الاستبداد.

والأمر الذي يشترك فيه حكم الاستبداد وحكم الثورات، هو قابلية كل منهما للفساد!

الحاكم يفسد من نفاق الدوائر المحيطة به له بالقدر الذي يجعله - والعياذ بالله - نصف آله.

والثورات تفسد حينما يضفي عليها البعض صفة القداسة، فالثورة بهذا المفهوم لا تخطئ، ولأنها - بهذا المفهوم - ثورة الشعب فمن حقها أن تفعل أي شيء وكل شيء؛ لأن لديها تأشيرة صلاحية الثورة. صيانة الثورة من الفساد، تأتي من خلال إيمانها بدولة القانون وليس بدولة الثورة.

دولة القانون تحترم الدستور والقانون، تحتكم إليه في سياساتها، وفي أسلوبها في إسقاط النظام القديم وبناء قواعد النظام الجديد.

دولة الثورة تستخدم المحاكم الثورية والقوانين الاستثنائية في هدم القديم وبناء الجديد.

والمذهل والمثير للتأمل أن الإحصاءات تدل على أنه في المائة عام الماضية قامت 382 محاولة ثورة على أنظمة الحكم العالمية، نجح منها واستقر فيها 12 في المائة منها فقط، كلها من تلك التي اتبعت منهج دولة القانون.