هل تهزم مصر التشاؤم؟

TT

الانتخابات المصرية الأولى بعد ثورة «25 يناير (كانون الثاني)» على الأبواب بعد نحو أسبوعين من الآن بوصفها أول استحقاق حقيقي بعد التغيير الذي حدث، ورغم ذلك، فإن الجدل السياسي لا يزال على أشده مع حالة استرابة وقلق تغلفها حالة عامة من التشاؤم بين النخبة النشطة سياسيا تمتد أصداؤها إلى الخارج لتعطي أيضا مناخا دوليا قلقا من المسار السياسي والخوف من الفوضى.

هناك حالة مرتبكة وقلقة، وهو أمر طبيعي في مرحلة انتقالية وصدام بين قوى سياسية ومجتمعية بعضها كانت لا تستطيع أن توصل صوتها أو تعبر عن إرادتها بشكل حر، فرفع عنها الغطاء، وكلها تريد أن تضمن حصتها في النظام الجديد المفترض أن يتشكل، وأولى خطواته الحقيقية هي الانتخابات التشريعية المقبلة.

إخوان وسلفيون وإسلاميون جدد، وكتلة حرجة من المسيحيين المصريين قلقة من أسلمة المجتمع ومواقف قوى ظلامية منهم، وليبراليون ويساريون وقوميون ومؤسسة عسكرية تدير المرحلة وطبيعي أن تواجه انتقادات على الجانب السياسي على أدائها من قوى غير راضية.. هذه هي التركيبة أو الخلطة السياسية الحالية.. نسمع أصوات ممثليها صاخبة سواء في التلفزيونات أو من خلال الأحاديث الصحافية والمؤتمرات.

ببساطة، انتقلت مصر خلال 10 أشهر من حالة ركود سياسي كادت أن تأكلها قبل «25 يناير»، إلى حالة فوران وحراك سياسي صاخب بعدها، ولا يزال مستمرا حتى اليوم. وهو في الرؤية الإجمالية أمر صحي ومفيد لمستقبل المجتمع، يؤمل أن يعيد إنتاج نخبة بأفكار القرن الواحد والعشرين تقارن قامتها، أو تفوق، النخبة التي تشكل وعيها بعد ثورة 1919 ولعبت دورا كبيرا سياسيا وثقافيا ربما حتى السبعينات.

هذا سيحدث في السيناريو المتفائل لتطور الأحداث، ولكن على الجانب الآخر، هناك أيضا السيناريو المتشائم، وهو الأكثر غلبة على الساحة السياسية، الذي يرى أن الثورة تسرق أو هناك من يركبها أو يستغلها، أو أن المسار لا يسير في الاتجاه الصحيح، وقد تأتي نتيجة الانتخابات بما لا يعكس حقيقة ما أرادته ثورة «25 يناير».

هذه المخاوف وتغليب البعض السيناريو المتشائم له ما يبرره من أحداث وتطورات، لكن الاستسلام له يعد ظاهرة مرضية.. ففي النهاية، الناس هي التي تصنع مستقبلها، وما دام هناك صندوق اقتراع ووسيلة لتقرير المستقبل من خلاله، فإن هناك طريقا واضحا للتغيير وتأسيس شرعية جديدة.

لقد افترض كثيرون مقدما أن «الإخوان» والسلفيين سيسيطرون مع بعض الشخصيات التي كانت مرتبطة بالنظام السابق على البرلمان المقبل. وبهذا الافتراض، هم أقروا بالهزيمة قبل أن تحدث، وبالتالي هزموا أنفسهم مقدما، وهو أمر غير صحيح ما دام لم يسمع صوت الناس العاديين من خلال صندوق الاقتراع. ميزة الانتخابات - حتى ولو لم تكن كاملة أو مثالية - أنها ستعطي أولا صورة أكثر وضوحا لتمثيل ووزن القوى السياسية المختلفة في الشارع المصري، وثانيا أنها ستعطي القوى الفائزة الشرعية والتفويض اللازم لتقول إنها تمثل الشعب، في حين أننا لا نعرف حاليا الحجم الحقيقي لكل القوى، ولا أحد يستطيع أن يدعي أن لديه تفويضا.

والرهان هو على حشد الناخبين والسعي لأكبر مشاركة ممكنة في الاقتراع، وقدرة الناس العاديين على الاختيار الصحيح وهزيمة التشاؤم، وهذه الانتخابات هي مجرد بداية طريق.