أذواق الديكتاتوريين

TT

يخلص كتاب «منازل الديكتاتوريين» لمؤلفه بيتر يورك، إلى أن أذواق السادة الطغاة متشابهة. الحمامات المذهبة، واحدة تقريبا، عند نيكولاي تشاوشسكو وجوزيف موبوتو وصدام حسين. وقد صدر الكتاب قبل عام من هجوم الناس على مذهبات باب العزيزية وبيوت القذافي الأخرى التي لها علامات متشابهة: جدران عالية وذهب! الخيمة كانت غطاء غير مقنع، ومنزلا لم ينم فيه أبدا، ولا عرف أحد أين كان ينام.

يقول بيتر يورك إن أول ما يفعله الديكتاتور هو بناء المنزل الذي حلم به وهو في السابعة عشرة من العمر. أحد الأرقام، أن صدام بنى 48 قصرا حول العراق، متجاوزا ربما حلم السابعة عشرة. نيكولاي تشاوشسكو تجاوز أحلام جميع الديكتاتوريين، عندما بنى قصرا من أكثر من ألف غرفة، فوق أكبر قطعة عمار فردية على الأرض، بعد مبنى وزارة الدفاع الأميركية. وانتهى مقتولا برصاص فرقة الإعدام الخاصة التي أشرف على تشكيلها، أو بالأحرى برصاص قائدها.

سقط عندما بدأت مظاهرة مدبرة تهتف له، بالهتاف ضده. الكلام الذي قاله لضباطه قبل قتله يشبه تماما الكلام الذي قاله القذافي لقاتليه. يصنع الديكتاتور عالمه ويعيش فيه. صدق تشاوشسكو المظاهرات، أما القذافي فقال للمذيعة التلفزيونية كريستيان إمبور: «أنت لا تعرفين الليبيين. الشعب الليبي يحبني». عبر الشعب الليبي عن ذلك من خلال فرقة مصراتة. وكان هو قد عبر عن محبته لهذا الشعب في خطبه وعبر كتائب أبنائه. ينسى الديكتاتور ما يقوله بين جملة وأخرى. من جرذان إلى «أنا معي الملايين».

يتشابه الديكتاتوريون في النشأة إلى حد مذهل. كان القذافي يعود في نهاية الأسبوع إلى منزله من المدرسة الداخلية المجانية، مع من يقبل نقله من السائقين العائدين. لم يكن الفقر عيبا في أي زمن. عظماء هذا الكون كانوا فقراء. العيب كان في تغير الناس والتلذذ بقهر الشعوب. موبوتو ترك رجال الشرطة يحصلون رواتبهم من الناس بالضرب والعصي. ابنة ليونيد بريجينيف كانت هوايتها جمع الماسات الكبرى. زوجة صدام حسين اشترت في مزاد جوهرة كانت لفرح ديبا. إيلينا، زوجة نيكولاي تشاوشسكو، كانت تتبضع معاطف وقبعات الفراء في باريس.

مشكلة الديكتاتوريين كانت غالبا في انعدام المعرفة وانعدام الذوق أيضا. أكثر من ألف غرفة أراد تشاوشسكو أن يكون مقره. من أجل ذلك أوقف موازنات المدارس والطرقات والصحة وطمرها في إسمنت المنزل؛ لذلك لا يشك كثيرون في أن موسكو السوفياتية في أواخر أيامها هي التي دبرت خلع رجل لم يعد جنونه يطاق بأي مقياس، لقد حول الشيوعية والاشتراكية إلى أوسع سجن في العالم، ثم مضى يبني لنفسه أكبر قصر في التاريخ، وعندما هرب واعتقل كان السؤال الذي طرحه على معتقليه: لماذا؟ وقال القذافي للثوار المقبلين من مستشفيات ومدافن وخرائب مصراتة: لماذا؟ ماذا في الأمر؟ ما أفظع اليقظة بعد غيبوبة طويلة.