زمن الأكواب الطائرة!

TT

شاهدت أعنف دراما حوارية مساء الاثنين الفائت في برنامج «بموضوعية» على قناة الـ«إم تي في» الذي يقدمه المحاور المهذب والمتمكن الأستاذ وليد عبود.

توقفت الحلقة عن البث حينما حدث إشكال وتلامس وصل إلى حد الاشتباك بالأيدي واستخدام «الأكواب الطائرة» بين ضيفي الحلقة.

كان الموضوع هو موقف نظام الرئيس السوري بشار الأسد من قرار الجامعة العربية الأخير تجاه عضوية سوريا فيها. ضيفا الحلقة كانا: الأستاذ فايز شكر، الأمين القطري لحزب البعث والوزير السابق، معبرا أو مدافعا عن وجهة النظر المؤيدة لسوريا، والدكتور مصطفى علوش، القيادي في تيار المستقبل والنائب السابق في البرلمان، معارضا للسياسة السورية.وقبل أن أستفيض أحب أن أوضح لحضراتكم أن السيد فايز بعثي بمعنى قوة لسان الخطابة، والدكتور علوش حاصل، بالإضافة لكونه طبيبا ناجحا، على الحزام الأسود في رياضة الجودو! وعند نقطة ما في اللقاء دار الحوار التالي:

شكر، مخاطبا علوش: هل سمعت خطاب الرئيس الأسد؟ > علوش: سمعت، لكن لا أصدقه!

شكر: لا تصدق الرئيس بشار الأسد؟! > علوش: لا، لا، لا أصدقه، لا أصدقه! > شكر: من أنت حتى لا تصدق الرئيس الأسد؟ وتطور الحوار حينما قال علوش: أنا لا أصدقه لأنه كذاب!

> شكر: أنت واحد كذاب ومعلمك واحد كذاب! > علوش: صبي مخابرات ما يقوللي ها الحكي!

تدخل مقدم الحوار مهدئا: دكتور فايز... دكتور مصطفى! > شكر لعلوش: أنا «صرمايتي» أشرف منك ومن معلمك. وهنا قام الأستاذ شكر بالإمساك بكوب وألقاه على علوش، فهجم عليه الأخير وحاول شكر حمل كرسيه وضرب علوش به، إلا أن وليد عبود تدخل لوقف الالتحام بينهما.

هنا قال الأستاذ شكر كلاما يعاقب عليه القانون لا يمكن ترديده. توقف البرنامج لمدة 20 دقيقة ثم عاد حتى النهاية دون أن يحدث أحدهما الآخر!

المشهد إعلاميا مزعج ومؤلم، وسياسيا يعكس حالة العنف اللفظي التي تجتاح كل النخب العربية الآن بشكل عام وفي لبنان بشكل خاص.وصلنا إلى مرحلة مخيفة في عدم قبول الآخر، والأمر الأكثر إزعاجا وخطرا أن هذا يحدث في لبنان واحة الحوار وبلد التنوير والتعايش بين الأضواء في المذاهب والأفكار والأحزاب.

الذي لفت انتباهي انزعاج الأمين القطري لحزب البعث حينما قال د. علوش إنه لا يصدق الرئيس السوري إلى حد الدخول في معركة الأكواب الطائرة وحمل الكراسي.

في السياسة والعمل العام، تعتبر مصداقية أو عدم مصداقية أي شخصية عامة أمرا قابلا للتداول، بل إنها الأساس الذي تقوم عليه فكرة التأييد أو المعارضة لهذه الشخصية.

لقد تم تكذيب أرسطو وأفلاطون وسقراط ونيتشه وكانط وأينشتاين وابن رشد وابن خلدون والفارابي في أفكارهم ونظرياتهم على مر التاريخ. وتم تكذيب أنبياء ورسل أرسلهم الله سبحانه وتعالى برسالات ونبوءات وسير وأحاديث. والدكتور بشار الأسد مثله مثل من سبقه في التاريخ ومن سيأتي بعده ليس معصوما من النقد أو التكذيب.بعد مشاهدتي لهذه الحلقة قابلت بالصدفة مشاهدة كريمة من الكويت سألتني: يا أستاذ «وحشتنا»، متى نراك مرة أخرى في برامج حوارية؟

نظرت إلى الأكواب الموجودة على مائدة العشاء وتذكرت واقعة الأكواب الطائرة، وتصورت ماذا يمكن أن يصيب «صلعتي» الخالية من الشعر؟!

وقلت لها: ليس هذا هو زمن الحوار الهادئ يا سيدتي.