نصيحة لكتاب الدساتير

TT

سواء تم الاتفاق على أن هذا العام هو عام الربيع العربي، أو الزلزال العربي، لا بد أن يكون هناك اتفاق على أنه عام كتابة الدساتير، سواء في الدول التي تمر بحالة تغيير مثل مصر، وتونس، وليبيا، أو الدول التي باتت قاب قوسين أو أدنى من التغيير مثل سوريا، واليمن، أو حتى من قاموا بإصلاحات سياسية مثل الأردن أو المغرب.

ومع هذا التغيير تشهد منطقتنا جدالا عقيما حول كتابة الدساتير، ومن هم المخولون لكتابتها، وهل يكتبها المنتصرون في الانتخابات، سواء كانوا إسلاميين، أو قل محافظين، أو ليبراليين. وعندما نقول «عقيم» فلأن الجدال بات يتركز حول نقاط محددة تشي بخلل منهجي، بل واجتماعي بالطبع. لذا فإننا نسمع اليوم أنه في حال كان الإسلاميون هم المنتصرين، في تونس، أو مصر، وحتى ليبيا وغيرها، فهل سيضمنون حقوق المرأة؟ والتعددية؟ والحريات؟ وبالطبع ليس هناك أسئلة جوهرية حول ما إذا كان الدستور الجديد ضامنا لحق العيش المشترك، وتداول السلطة، وكافلا للتطور والسعي للعلم والمعرفة، وإطلاق الحريات من أجل ضمان الإبداع، والعلو بين الأمم، وليس حرية الصراخ، والتنابز.

وقد شهدنا، ونشهد، جدليات عقيمة حول الدساتير في بعض دولنا التي تنخرها الطائفية، مثل لبنان والعراق، وحتى مصر، فيما يختص بحقوق الأقباط، ووفق جدلية الأكثرية والأقلية المضللة. ففي العراق، مثلا، وإن سلمنا بأن الشيعة هم الأكثرية، والسنة أقلية، فإن الأكثرية هنا - أي الشيعة - لا يتجاوزون الخمسين في المائة، والأقلية - أي السنة - هم قرابة الأربعين في المائة. وعليه، فكيف ستلغي قرابة نصف المجتمع، بل وتفرض عليهم رؤيتك، أو معتقداتك؟ أمر مستحيل بالطبع. وفي الحالة المصرية، فأيا كانت نسبة الأقباط صغيرة، بلغة النسب طبعا، إلا أن عدد الأقباط لا يقل بأي حال من الأحوال عن 12 مليونا، فكيف يمكن تجاهل هذا الرقم؟ جنون، بكل تأكيد!

عليه، فإن النصيحة لكتاب الدساتير، والمعنيين بمنطقتنا، هي قراءة الاقتباس التالي من الكتاب الجديد للرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون (العودة إلى العمل)، وبعناية فائقة، حيث يقول ما نصه عن الدستور الأميركي، ومن كتبوه من الآباء المؤسسين، (صفحة 28):

«صيغ دستورنا من قبل أناس مثاليين، لا آيديولوجيين. وثمة اختلاف كبير. فربما تكون لديك فلسفة تميل إلى الجانب الليبرالي أو المحافظ، لكنك تكون منفتحا على الأدلة، والخبرات، وعلى المناقشات. مما يمكّن الذين بينهم تباينات حقيقية من الوصول إلى تسويات عملية. على الجانب الآخر، فإن التمسك الشديد بآيديولوجية معينة يجعل الأدلة والخبرات والمناقشات غير ذات قيمة.. فإذا كنت تملك الحقيقة المطلقة، فستعتبر من يخالفونك الرأي مخطئين، بالضرورة، وحينها تصبح أدلة النجاح، أو الفشل، غير ذات جدوى. فليس ثمة شيء يمكن تعلمه من خبرات الدول الأخرى. وستعتبر المناقشات الجادة مضيعة للوقت، وستعد التسوية ضعفا. وفي حال فشلت سياساتك، فبدلا من أن تتخلى عنها، فإنك ستؤكد على أنها كانت ستؤتي ثمارها بالنجاح المأمول لو كانت أُخذت بجدية أكثر (أي إن اللوم دائما على الآخرين)».

خلاصة القول أن المفترض بكتاب الدساتير أن يكونوا مثاليين، أي رجال دولة، وليسوا آيديولوجيين!

[email protected]