إيران تواجه الضغوط الدولية بالعودة إلى فتوى «السلاح النووي حرام»

TT

كلما اصطدمت القيادة الإيرانية بالعالم بسبب برنامج إيران النووي، يخرج أمين عام حزب الله في لبنان السيد حسن نصر الله لتقديم المساعدة، باتفاق مسبق من دون شك (كما حدث عام 2006). يوم الجمعة الماضي، كان المفروض أن تكون المناسبة «يوم الشهيد»، لكن من دون أن يأخذ الأمين العام في الاعتبار وضع كبار ضباط الجيش والأمن ومسؤولين لبنانيين، حضروا المناسبة من دون أن يأخذوا بعين الاعتبار - هم أيضا - كيف سيفكر فيهم اللبنانيون وهم يشاهدونهم جالسين يتطلعون بانبهار إلى شاشة كبيرة، انطلق منها السيد نصر الله في دفاع مستميت عن مرشد الثورة الإيرانية آية الله علي خامنئي، واصفا إياه بأنه «أفضل قائد أفرزه التاريخ!» ثم هدد المنطقة والعالم بالاشتعال إذا مُست إيران وسوريا أيضا.

المحزن في هذا الانتماء الواضح الذي عبر عنه السيد نصر الله وسط النشوة التي سيطرت على جمهوره كلما لفظ اسم «خامنئي»، أن أيا من الضباط أو المسؤولين اللبنانيين، لم يتململ أو يحرك ساكنا.

هناك أمران لا بد أن أمين عام حزب الله يعرفهما جيدا:

الأول - تشابك الحاجة الإسرائيلية والإيرانية، وكيف أن لبنان في وضع المحكوم عليه. فمن جانب هناك «عقيدة» بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي، ومن جانب آخر هناك المرشد ومندوبه في لبنان. فالبرنامج النووي الإيراني هو أفضل عذر أمام اليمين الإسرائيلي لعدم معالجة القضية الأساسية التي هي فلسطين، وما يُسمى بالتهديدات العسكرية لمهاجمة إيران والتي هي أفضل عذر أمام الإيرانيين لإبقاء لبنان رهينة. من هنا، فإن إيران وإسرائيل تحتاجان بعضهما البعض. كما يدرك السيد نصر الله بأن سوريا ستدفع ثمن نفوذ إيران في العراق، ولن تحرك إيران أو حزب الله ساكنا للدفاع عن نظامها، لا بل إن إيران قد تحاول كما فعلت عام 2003 عندما بدأ الغزو الأميركي للعراق «الدولة العربية»، أن تعقد صفقة مع أميركا. يومها رفض الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش العرض.

الأمر الثاني الذي يعرفه السيد نصر الله جيدا، هو الوضع الخطير الذي يجد المرشد الأعلى نفسه فيه داخل إيران. وهنا أيضا، كل سلاح حزب الله لن يفيد بشيء. مشكلة إيران أنها بدأت تتخبط بعملياتها السرية، (محاولة اغتيال السفير السعودي في واشنطن، ومحاولة القيام بأعمال تخريبية في البحرين إلى درجة أن قطر هي من أوصلت المتورطين إلى القبضة البحرينية)، ثم الطرح الجديد الذي تريد إيران من ورائه خداع العالم وهو أنه من «المحرّم» عليها امتلاك السلاح النووي، وبالتالي فإن كل ما يقال في هذا الشأن ليس بصحيح، وبدا التخبط الإيراني يظهر منذ نشر التقرير الأخير للوكالة الدولية للطاقة الذرية. في البدء رفض الإيرانيون تسلم التقرير، ثم قالت وسائل الإعلام الإيرانية إن الولايات المتحدة الأميركية كتبت التقرير، والأكثر سخرية عندما قال الإيرانيون إن الجزء الحساس للمنشأة «بارشين» - نوقشت في التقرير على أنها تُستخدم لإجراء اختبارات سرية - ليس سوى «مرحاض معدني» (في الحقيقة غرفة ضخمة من الحديد، تمكنت الوكالة من التحقق منها).

اقتراح المستشار علي أكبر ولايتي للمرشد الأعلى بأن يتحدث علنا عن «الفتوى» الإسلامية التي تحرّم السلاح النووي أثير في جلسة دعا إليها المرشد في مطلع الشهر الجاري، مباشرة بعدما اتضح أن كل جهود إيران لتأخير صدور التقرير قد فشلت.

في الوقت نفسه، فإن بعض رجال الدين الشيعة، بمن فيهم أتباع آية الله الراحل منتظري قلقون من التركيز على برنامج إيران النووي.

بالنسبة إلى خامنئي، فمن ناحية يرى أنه من المهم تشتيت المخاوف الأخيرة من النيات الإيرانية التي يشير إليها التقرير، ومن ناحية أخرى، يشعر بالقلق من أن هذه المسألة قد تقوض وضعه، لأنه في حاجة إلى منع التوتر الناشب بين آيات الله، والمحافظة في الوقت نفسه على سلطته «العليا».

علي أكبر ولايتي الذي يقدم المشورة لخامنئي في الشؤون السياسية الخارجية بما في ذلك استراتيجية التفاوض النووي، اقترح أن يشير خامنئي إلى الحظر الإسلامي للأسلحة النووية، خلال خطبة يوم جمعة، التي تغطي عادة مجموعة من المسائل، وليس فقط النزاع النووي. لم يقترح إصدار فتوى جديدة أو توضيح الأحكام الدينية السابقة، بل كما قال في الاجتماع: «الغموض في هذه المسألة ومسائل أخرى، يخدم مصالح الأمة الإسلامية». وأضاف: «هناك حاجة واضحة لتشتيت الضغوط الدولية ولمنع قوى الاستكبار والنفاق من التدخل لأذية المصالح الإيرانية». ثم شرح بأن «الفتوى» يجب ألا تكون مفتوحة للنقاش في السياسة الإيرانية، ولهذا يجب أن يشير إليها المرشد الأعلى نفسه، وليس شخصية دينية أقل مرتبة أو زعيما غير ديني مثل الرئيس محمود أحمدي نجاد.

ووفقا لأحد رجال الدين الشيعة، فقد أعرب «الإخوة» في قم عن قلقهم لأنهم حرّموا في السابق الأسلحة غير التقليدية باعتبارها «غير إسلامية» وتخوفوا من احتمال تقويض شرعيتهم الدينية إذا ما اعترفت إيران بأنها تطور السلاح النووي. وهذا القلق انسحب على أتباع آية الله الراحل منتظري.

وحسب مصدر مستقل في قم، فإن الملالي لم يُقدموا على التشكيك علنا في سلطة المرشد نفسه، رغم أن البعض اقترب من ذلك، إذ أشار إلى تصريحات سابقة رددها آية الله مصباح يزدي، المرشد الروحي المتطرف لأحمدي نجاد، وكررها الذين حوله، بأن إيران يجب أن تنتج وبشكل مستقل «أسلحة خاصة». وهذا مغاير تماما لفتوى خامنئي السابقة.

الإتيان على التذكير بتصريحات مصباح يزدي، دليل آخر على التوتر المستمر بين «القائد» والمؤسسة الدينية، وعلى هشاشة موقف خامنئي كـ«ولي فقيه».

اقتراح ولايتي باللجوء إلى «الفتوى»، جاء بعد العرض الذي قدمه في ذلك الاجتماع علي لاريجاني الذي بيّن كيف أن أميركا وبريطانيا وفرنسا ستستخدم التقرير لمحاولة عزل إيران، وانطلق في رأيه من معرفته بهذه الدول عندما كان على رأس المفاوضين الإيرانيين.

في النقاشات التي تلت طرح ولايتي ولاريجاني، تمت الإشارة إلى أن استخدام «فتوى» بأن الأسلحة النووية غير شرعية بموجب الفقه الإسلامي، كان فعالا ضد العناصر الدولية في السابق وبالتحديد عام 2003 قبل اجتماع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. إذ لاحظت الوكالة في ذلك العام، تقصيرا كبيرا من جانب إيران في التزاماتها النووية، الأمر الذي عرّض إيران للضغوط، فوقّعت على «البروتوكول الإضافي» بعدما حصلت على دعم كبار رجال الدين. أيضا عام 2010، وبعد أشهر على رفض إيران مبادلة الوقود النووي ضمن صفقة دولية شملت لجنة الطاقة الذرية الروسية وفرنسا، تدخل خامنئي وقال إن استخدام أسلحة الدمار الشامل «محرّم في الإسلام».

في الاجتماع الأخير كان أحمدي نجاد غائبا، لم يُعرف ما إذا كان خامنئي استبعده. إذ بالإضافة إلى ولايتي ولاريجاني كان هناك سعيد جليلي أمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي والمفاوض النووي، والدكتور عباس فريدون رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، وعدد من قادة الحرس الثوري ورجال الدين.

عام 1979 بعد انتصار الثورة الإيرانية، نقل عن آية الله الخميني قوله إن «السلاح النووي هو شيء من الشيطان». حتى خامنئي كرر في مناسبات عديدة «إن السلاح النووي حرام».

في الاجتماع، قال خامنئي إنه سيدرس الاقتراحات، لأن كل ما طرح يتطلب تفكيرا. ثم سخر المشاركون من التقرير ومصادره ومن المدير العام للوكالة يوكيا أمانو.