هل ستلتزم تركيا بقرارات الجامعة العربية؟

TT

الكثيرون يعرفون حكاية الوالدة التي صفعت ابنتها وهي تسلمها جرة المياه في مهمتها الأولى على طريق عين الماء. فعندما سألت الصبية لماذا ضُربت حتى قبل أن تسقط الجرة، قالت الأم: وما نفع ضربك بعد أن تكون الجرة قد تحطمت؟!

القيادة السورية ظلت لأشهر تنتقد وتستغرب تشدد أنقرة في موقفها من الأزمة السورية ومسارها، حيث كانت ملكية أكثر من الملكيين في المسارعة إلى انتقاد وتحذير ومقاطعة دمشق، بسبب طريقة تعاملها مع مطالب الشعب والمعارضة ومزايدتها على الكثير من العواصم العربية والإسلامية والغربية، التي رجحت التأني والحذر خلال تحديد مواقفها مما يجري.

أنقرة التي كانت قبل أسبوع مترددة في تحديد موقفها من المبادرة العربية حتى لا تتهم بقطع الطريق على فرص نجاحها، لم تتأخر في الإعلان عن دعمها المطلق لقرار القيادات العربية ووضع اليد والدخول بقوة على مسار الأزمة السورية وتفاعلاتها.

مبادرة لقاء القاهرة والقرارات والتدابير الإجماعية التي أعقبتها ضد دمشق، حققت لتركيا مطلب أن تكون الدول العربية، كونها المعني الأول، هي اللاعب الرئيسي في التعامل مع المسألة السورية وأن تكون أنقرة هي من يدعم ويساند وينسق مع هذا التحرك.

مهاجمة أنصار النظام في سوريا لمقر البعثات الدبلوماسية التركية في دمشق وحلب واللاذقية، وتصنيفها ضمن مجموعة تقف على خط واحد مع السفارات والقنصليات العربية الأخرى، يعكس حقيقة قبول النظام السوري لهذه المعادلة، وأنه في حربه التي سيخوضها في المرحلة المقبلة ملزم بوضع الكثير من الدول العربية والأتراك في خندق مواجهة مشترك، لا يمكن الفصل بين المتمترسين فيه.

الدبلوماسية التركية كانت أكثر من واضحة هذه المرة مع القيادة السورية التي حركت أدواتها لرشق سفارتها في دمشق بالحجارة عندما ذكرتها بأن أنقرة ستتخذ التدابير التي تراها ضرورية في مسار الأزمة السورية، وهي عبارة مطاطة منفتحة على أكثر من تأويل وتحليل واحتمال.

الخارجية التركية لن تكتفي باستدعاء القائم بالأعمال السوري لتقديم مذكرة احتجاج على استهداف مقار بعثاتها، وبالإعلان عن خطة لجلاء عائلات الدبلوماسيين العاملين في سوريا، وتذكير دمشق بعدم إهدار المزيد من الفرص وتضييع الوقت والالتزام بمواد المبادرة العربية لتجنب تطبيق قرارات القاهرة، بل هي كشفت أنها ستلتزم بتنفيذ قرارات الجامعة وسياستها التصعيدية ضد دمشق، ويتقدمها جمع شمل المعارضة السورية تحت شمسية واحدة، وإقناع الدول والقوى المساندة للنظام السوري أو التي ترفض معاداته بتغيير مواقفها، وطرح المزيد من خطط المقاطعة والعقوبات الاقتصادية والسياسية، وأنها لن تتأخر في أخذ موقعها في صفوف أي تكتل دولي يقرر التحرك باتجاه حماية المدنيين وإيقاف هجمات القوات المسلحة السورية بأسلحتها الثقيلة ضد المدن في المدى القريب، دون أن نتحدث عن السيناريوهات الأصعب في المراحل اللاحقة.

شرخ العلاقات التركية – السورية يزداد اتساعا، والقيادات في البلدين لم تعد تراهن على قضاء وقدر يعيدها بمثل هذه السهولة إلى أجواء ما قبل عام تقريبا.

تركيا لن تتوقف مطولا عند محاولات لعب أوراق أنصار النظام السوري في الداخل والخارج لإيقافها عند حدها، وستتجاوز مسألة دعم وتحريض «العمال الكردستاني» للتصعيد ضدها. هي ستعطي الأولوية لقطع الطريق على المعادلة التي تلعبها القيادة السورية عبر رفع شعار إسقاط النظام يعني تفجير المنطقة برمتها، من خلال تحذير الداعمين للرئيس السوري بضرورة مراجعة مواقفهم والتمييز بين مطالب الحرية والديمقراطية والمشاركة السياسية، والتصدي لها بتحريك الدبابات والمصفحات والوحدات الخاصة لمحاصرة المدن وتدميرها فوق رؤوس سكانها.

القيادة السورية ما زالت تملك الوقت والفرص ليس للرد على بيانات واشنطن وبروكسل، بل للتمعن في قراءة مضمون البيان الختامي لاجتماع القاهرة العربي وتحليل بيان الخارجية التركية في أعقاب مهاجمة بعثاتها في سوريا. المؤسف أن نقول كلاما من هذا النوع ونحن الذين قبلنا قبل أسبوع من اندلاع الأزمة السورية مهمة العمادة في كلية الحقوق والعلوم السياسية في جامعة غازي عنتاب على الحدود السورية - التركية، وكان الحلم إنشاء مركز أبحاث ودراسات استراتيجية إقليمي بشراكة وإدارة تركية - سورية - أردنية - لبنانية.