حالة تعرٍّ!

TT

فتاة مصرية، كانت من أنصار الثورة في الميدان، تقرر التعري وخلع ملابسها كاملة على حسابها الشخصي في الإنترنت، كتصرف ثوري احتجاجي على كل شيء لا يعجبها في مصر، حسب فهمها. ليحدث هذا التصرف صدمة وذهولا في كل مكان.

الفتاة صغيرة السن، 20 عاما، وستعرف لاحقا أي ضرر ألحقته بحياتها وصورتها ومستقبلها، خصوصا في منطقة كالمنطقة العربية.

لكن هذا التصرف الطائش والمجنون، ليس هو الصورة الوحيدة من صور «الانفلات» الحاصل في المجال المصري العام.

هناك صور أخرى للانفلات وتحطيم الأعراف والسدود، والخلط بين الخاص والعام. نشهد ونقرأ، بمعدل شبه يومي، عن أخبار تثير العجب في بر مصر، وكأن الناس تعيد اكتشاف نفسها.

«كأني للتو أعرف بلدي، وأدرك فعلا أننا شعب ضخم وبلد كبير، وأننا من مشارب متنوعة». هكذا علق صديقي الصحافي القاهري، بعد أن تعددت أشكال الاحتجاج، وتنوعت مطالب المحتجين.

حصيلة يوم واحد فقط، وليس حصيلة حصرية، من الغرائب المصرية:

* مرشحة مصرية للبرلمان، تنتمي للتيار الأصولي، تقول إنه لا يجوز أن تتقدم المرأة المصرية لانتخابات الرئاسة لأنها غير مؤهلة وناقصة عقل.

* داعية مصري آخر، يقتحم مقر حفل غنائي للفنان هشام عباس، ويقرر «انهاء» الحفلة، والوصاية على الناس، بدعوى أنه يمارس «حقه» في التوجيه، ولأن «الغناء حرام»، كما هو رأيه الحازم والنهائي، والذي يجب حمل الناس، «كل الناس» عليه، ويثني على تصرفه المتحدث باسم الجبهة السلفية، قائلا: «إن ما فعله هذا الداعية تصرف فردي، لكنه يجازى عليه خيرا».

هذا ونحن بعد لم نشهد حصيلة الانتخابات المصرية وإفرازها المقبل!

الإخوان يلوون ذراع الجميع، لإجبارهم على تسليم البلد لهم، وجوهر الأمر ونخاعه هو الدستور المصري، وذلك عبر «التشبيح» الثوري والتهديد بالاعتصامات والمظاهرات و«وقف حال» البلد إن لم يتم الإصغاء لهم والأخذ برأيهم في تعريف مصر.

انفلات طائفي، انفلات أمني، وقتل وبلطجة، انفلات في جناحي العدالة في مصر، بعد اصطدام قطاع المحاماة بقطاع القضاة.

انفلات إعلامي لا نظير له، فالكل يتحدث بما يشاء، عن من يشاء، دون حسيب أو رقيب، ودون مساءلة قانونية، بحجة الحرية.

انفلات رياضي في الملاعب، وشغب مزمن.

كل هذه الصور الخطيرة من الانفلات في الواقع المصري، هي أفدح ضررا وأعمق ألما من مجرد صورة عارية، لفتاة رعناء. وصغيرة السن.

كثير ممن هللوا وطبلوا لما جرى في مصر بداية هذه السنة، واعتبروا أنها ثورة مدنية نقية وراقية، عادوا يقلبون دفاتر العام الثوري، دون أن يقولوا في العلن أو بشكل صريح إنهم قد ضللوا الرأي العام. وحتى أكون دقيقا فليست المشكلة في الحماسة أو الخطأ في التقدير، فهذا أمر طبيعي في ملاحقة الأحداث، ولكن لا يجوز أن ينتقلوا بنا من حالة إلى حالة دون أن يقولوا إنهم قد أخطأوا التقدير، بل يشعرونك أنهم كانوا، وما زالوا، وسيظلون على صواب، بدون تناقض!

بكل حال، نرجو من أعماق القلب النجاة لمصر، مركز الثقل العربي الأساسي، في كل مجال، فلا خير في العرب إذا وهن جانب مصر.

[email protected]