الاتجاه وعكسه

TT

لم أشاهد الكثير من حلقات «الاتجاه المعاكس» على الرغم من مودة تجمعني بالزميل فيصل القاسم. فإيقاع البرنامج مناقض لطبعي، وصراخ بعض ضيوفه يلغي مفعول المسكن الذي أتناوله، والعنف اللفظي يزيد في نزعة الميلانكوليا عندي. لكنني شاهدت حلقة الثلاثاء الماضي بفضول، بعدما رأيت ما حدث في برنامج «بموضوعية» (إم تي في) الذي يقدمه الزميل وليد عبود مساء الاثنين عندما تطور الجدال بين سياسيين لبنانيين إلى معركة مؤسفة.

لم أكن أعرف أيا من ضيفي «الاتجاه المعاكس»، ولا كنت أعرف من هو الاتجاه ومن هو المعاكس. لكنني تضايقت من المضيف عندما رأيته يخفق في إقناع ضيفه اللبناني بالتزام قواعد الحوار. وفي النهاية، اضطر إلى قطع البرنامج مؤقتا لكي يحصل من «المتحاورين» على وعد بألا يقاطع أحدهما الآخر، لكي يتمكن المشاهدون من سماع ما يريدان قوله.

اللهم ألف مرة لا شماتة. ولكن، أليس من أجل ذلك أنشأ فيصل البرنامج وسر به على مدى السنين، واعتبرته الناس علامة فارقة من علامات «الجزيرة»؟ أليست هذه هي الصيغة التي وضعها القاسم لبرنامجه؟ أي أن يكون صداما مستعرا على مدى الساعة وليس نقاشا سياسيا؟ كم من الضيوف غادر البرنامج غاضبا، كما فعل الجنرال ميشال عون مع النائب ناصر قنديل، يوم كان كل منهما لا يزال في خط سياسي مختلف؟ كانت حلقات كثيرة تبدأ بالصراخ وتنتهي بالانسحاب أو بتبادل الضرب بالأوراق التي أمام الضيوف الأعزاء. وهذا يعني أنه أريد للبرنامج أن يكون حلبة لا أضواء على القضايا المطروحة. ويدرك صاحب البرنامج سلفا طبيعة الضيوف وأسلوبهم في مناقشة المواضيع السياسية. وبالتالي، كان الأحرى به أن ينتظر موعد الفاصل بدل أن يقر بقطع البرنامج، فاقدا هو أيضا، مثلنا المشاهدين، طاقته على احتمال هذا الإيقاع الرتيب من تبادل التسخيف والإهانات، أو التعظيم والتفخيم والوله.

المؤسف أن «الاتجاه المعاكس» أدى إلى قيام موجة تقلده. فالناس منذ أيام روما تهوى المصارعة الحرة والغرائز، تهتف للغالب وتنتصر له، وتشجع القيصر على ذبح المغلوب بدل العفو عنه. وطريق الموضوعية في هذه الحالات قصير مهما برع مدير «الحوار» في ضبط النفس. ولذلك، عندما تحولت «الموضوعية» إلى حالة لا تطاق كان أول ضحايا الزعيق والطنين الرجل الذي اخترع فكرة تربية الدبابير ثم إثارة أوكارها.

أما الزميل وليد عبود، فكان الخروج على الهدوء في برنامجه، خروجا على القاعدة. ولكن، في البرنامجين صورة لما هي عليه الحال النفسية عند العرب اليوم. فهل كانت الحال أفضل في الماضي؟ إطلاقا. لكن البرامج الحوارية كانت أقل والتلفزيون كان فقط للأفلام والمسرحيات المؤنسة.