المقعد الحالي وباب الدوامة!

TT

يغطي دخان الأحداث ودماؤها، مشهدا لن نستوعب حجمه إلا عندما ننظر إليه بعد حين من نافذة التأمل والتساؤل التاريخي: الجامعة العربية مجتمعة، في خلو مقعد سوريا، تنذر دولة عربية رئيسية بالعقوبات السياسية والاقتصادية، إذا لم توقف العمل العسكري ضد المعارضة. وفي دمشق نفسها مشهد معاكس، إذ تهاجَم سفارات الدول العربية، واحدة بعد الأخرى، وصولا إلى المغرب. فماذا يؤكد ذلك؟ تؤكد مظاهرات دمشق مشهد مؤتمر الرباط. أي إن سوريا دولة في عزلة لم تعرفها في تاريخها.

لا يفيد سوريا، لا في الداخل ولا في الخارج، أن تبدو وضدها كل الدول العربية إلا اليمن، ويضر بها كثيرا أن تكون إيران الدولة الإسلامية الوحيدة إلى جانبها وتهدد معها بأنه لن تبقى دولة خارج إطار الضرر، كما أعلن وزير خارجيتها. فالمسألة، كانت ولا تزال، وقف الضرر اللاحق بسوريا. ووقف المأساة القائمة في سوريا. ورد الكارثة المحدقة بجميع سوريا، وليست ما هو الضرر الذي يمكن أن تلحقه سوريا - أو إيران - بالآخرين. لسنا هنا أمام فريق عربي أو مجموعة عربية بل أمام الجامعة العربية برمتها. ومن المضحك القول إن قرار الجامعة لم يتخذ بـ«الإجماع»، كما يقضي دستورها! فهل تشكل صنعاء في وضعها السياسي الكرنفالي، وبيروت التي يقول رئيس حكومتها إنه لم يكن يعرف بالموقف الذي اتخذه وزير خارجيته؛ هل تشكل مثل هذه البهلوانيات، خرقا لإجماع يطالب بالكف عن إهراق الدماء وخيار العنف، في بلد مثل سوريا؟ وهل يليق بسوريا، أن تتخذ ذريعة من موقفين تهافتيين، تحتمي بهما، بدل أن تشعر بعمق العزلة التي تحيط بها؟

كان مؤلما جدا خلو مقعد سوريا في منتدى الرباط. كما كان أكثر إيلاما ألا يعثر مندوب سوريا لدى الجامعة على لغة يخاطب بها الأكثرية الساحقة من العرب، إلا تلك الألفاظ المؤسفة التي لم تسمع من قبل تحت سقف الجامعة ولا في ساحتها!

المشكلة ليست عند 18 دولة عربية. وحلها ليس في صنعاء، التي يعدها علي عبد الله صالح كل يوم بأنه ذاهب غدا. المشكلة والحل في سوريا. ولن تحل بقيام مشكلة في مكان آخر. ولا بخروج السلك الدبلوماسي العربي من البلاد. ولا بخطاب يلقيه هوغو شافيز في كاراكاس، على بعد عشرة آلاف ميل من حمص.

السخرية من تعداد سكان قطر لا تقلل من هول عدد الضحايا في سوريا، مدنيين وعسكريين. وقطر في هذه الحال لا تمثل سكانها، بل تمثل نوبتها في مجلس الجامعة. والمجلس، إلا اليمن المنقسم حول علي عبد الله صالح، يريد نهاية للمأساة في سوريا بعد ثمانية أشهر من الجدل العقيم حول من يحل أولا، الإصلاح أم وقف العنف.

الباب الدوار في سوريا وليس في أي مكان آخر. وباب الخروج من الدوامة في سوريا، كان ولا يزال. والمثل الفرنسي يقول: لماذا البحث عن الظهيرة في العصر؟!