حتى صوت المرأة عورة (!!)

TT

في البرنامج الحواري الناجح (استوديو بيروت) الذي تديره الإعلامية الناجحة (جيزيل خوري) في قناة «العربية» التلفزيونية، استضافت فيه الناشط السوري (لؤي الزعبي) أمين الحركة المعارضة المسماة (حركة المؤمنين السوريين)، وطوال الحوار كان السيد لؤي يتحاشى الالتفات إلى جيزيل، فنظراته مصوبة دائما للأرض، وعندما ضاقت المقدمة ذرعا من طريقته هذه غير المسبوقة ما كان منها إلا أن تسأله باستغراب قائلة: أنت وافقت على إجراء الحوار معي، وأنا أشكرك على ذلك، ولكنك لم تنظر لي إلى الآن طوال نصف الساعة لماذا؟!

فأجابها بما معناه وهو ما زال ينظر إلى الأسفل قائلا بمنطق يحسد عليه: إن هذا هو الجديد الذي أطرحه، فأنا يا سيدة جيزيل لست موكلا أن أحجبك، ولكنني موكل أن أغض البصر، لأنني أمرت شرعا أن أغض البصر، ولم أؤمر شرعا أن أضع الحجاب على رأسك قسرا، ولا أعتبر تصرفي هذا لا من باب الاحترام لك ولا من باب عدم الاحترام، فتصرفي هذا طبيعي ولا يهمني أصلا.

فأسقط في يد المسكينة التي لا تدري كيف ترد عليه؟!، وأخذت تقلب نظراتها برهة بابتسامة حائرة على شفتيها، ثم استجمعت قواها وواصلت الحوار معه، ولاحظت أنها هي أيضا أخذت تبادله التصرف بالمثل - أي أنها أصبحت لا تنظر إليه وإنما تسأله وتتكلم وعيناها مصوبتان إلى الأرض - وكأنها بذلك تقول له: (واحدة بواحدة).

وكان هذا الحوار أغرب حوار أشاهده على شاشة التلفزيون، وغرابته لا تكمن في سخونته ولا جديته ولا عمقه ولا متعته، وإنما تكمن فقط في (كاريكاتيريته) المفرطة.

وهنا لا بد لي أن أستدرك لكي لا يتهمني أحد بالتهتك وأقول: إنني مع غض البصر، سواء بالنسبة للرجال نحو النساء، أو بالنسبة للنساء نحو الرجال، وما أكثر ما غضضت بصري، سواء عن قناعة ورضا، أم عن إرغام أتى من وراء خشمي.

فقبل أيام مثلا كنت في رحلة، وقبل أن تقلع الطائرة أخذت المضيفة الحسناء تشرح لنا وهي واقفة بالممر بقدها المياس كيفية طرق السلامة لو حصل، لا سمح الله، طارئ وسقطت الطائرة في البحر، وطوال شرحها كانت عيني الزائغة المرعوبة لا تفارق التمرس بملامحها ولا تتبع خطوات تعاليمها بكيفية نفخ سترة الإنقاذ ولا بكيفية ربط الحزام على الخصر، وتخيلوا لو أنني كنت مجنونا وغضضت بصري وسقطت الطائرة، وأنا جاهل كيف أتصرف؟!، هل أنادي عليها وأنا أتخبط بين الأمواج قائلا لها: تعالي دخيلك حوطيني وانتشليني؟!

وقبل هذه المرأة المضيفة التي لم أغض بصري عنها رغبة مني في النجاة وحب الحياة، هناك امرأة أخرى غضضت بصري عنها مرغما وعن طواعية، وهي طبيبة أسنان حاذقة و(جفصه) في نفس الوقت، وذلك عندما فتحت هي فمي عن آخره بما يشبه (الكماشة)، وأخذت تنخر بأسناني وأضراسي لتنظيفها بما يشبه (الدرل)، وطوال الوقت كنت مغمضا عيني وأدعو عليها بالويل والثبور وأن يخلصني الله منها.

على العموم، بالنسبة لي لست أنا بمقياس، ولست نموذجا صالحا للأخذ به في هذا المجال، ولكن كيف نحكم على بعض المشايخ الصالحين الذين شاهدتهم على بعض القنوات التلفزيونية وهم يتحاورون مع بعض المقدمات وكانوا يبتسمون لهن بكل (أريحية)، وعيونهم شاخصة في وجوههن تتزغلل (كالبرجونات)؟!

وإنني أستغرب كيف قبل الشيخ (لؤي) أن يجري حوارا تلفزيونيا مع امرأة وجها لوجه؟! أما كان أولى به أن يجري معها حوارا إذاعيا (بالراديو) ويريح عينيه؟!

ولكن حتى صوت المرأة عورة مثلما يزعم البعض، وهذا هو المأزق.

[email protected]