متآمرون.. والله أعلم!

TT

جاءتني حلول وردود كثيرة حول مسابقة الكلمات المتقاطعة طمعا في الفوز بالجائزة المالية الكبرى التي وعدتكم بها والبالغة عشرة دولارات أميركية عدا ونقدا. إلا أن القارئ الكريم فؤاد محمد من فرنسا بعث متسائلا ومازحا: أستاذ عماد، ولماذا الجوائز بالدولار الأميركي؟ ومن يأتي بتمويل هذه المسابقة؟

هنا أيقنت، أنه حيث إننا نعيش عصر التفسيرات التآمرية لكل ما يدور حولنا، أنه من حق القراء أن يتشككوا في مصدر هذه الدولارات؟

وتطبيقا لهذا المنهج سألت: هل مصدر هذه الأموال من حماس، حيث إنني من مؤيدي القضية الفلسطينية؟ أم من طهران لأنني من هواة اللحم السلطاني والجلو كباب الإيراني؟ أم أن مصدرها نيويورك والبورصة الأميركية لأنني أشاهد حلقات «فريندز» قبل النوم؟ أم مصدرها المخابرات الإثيوبية عندما قامت بتجنيدي عام 1985 حينما زرت أماكن مجاعات الأطفال في منتصف الثمانينات؟ أم أنها جاءت من المافيا الروسية التي استخدمتني لغسل عشرة دولارات غير معلومة المصدر؟

ومن الممكن أن أستمر في كتابة مجلدات من الافتراضات التآمرية بناء على نظرية المؤامرة. ولعل تاريخ المؤامرة بدأ مع قيام إبليس بالتآمر على سيدنا آدم بهدف إخراجه من الجنة. والمؤامرة الآن لها نظرية عرفت في العلم الحديث بنظرية المؤامرة وذكر المصطلح لأول مرة في مقالة اقتصادية عام 1920 بلندن. ونظرية المؤامرة هي محاولة نسب أو تفسير حدث ما على أنه يرجع إلى سر ما لدى جماعة أو عصابة متآمرة تدير الأمور من خلف الكواليس. والمؤامرة بها طرفان رئيسيان؛ المتآمر والمتآمر عليه، وهي تحدث بين أفراد أو شركات أو أصحاب مصالح أو جماعات أو دول. ولعل تاريخ العرب الحديث مليء بالأحداث التآمرية، فعلى سبيل المثال وليس الحصر نحن نتحدث عن المؤامرة الصهيونية ومؤامرة سايكس بيكو، ومؤامرة حسين مكماهون، وفسرنا ظهور حسن البنا على أنه مؤامرة، ومؤلفات طه حسين على أنها مؤامرة، وظهور الفكر الاشتراكي عقب الحرب العالمية على أنه دسيسة، وأن هزيمة 1967 مؤامرة غربية حقيرة أعقبت مؤامرة العدوان الثلاثي. وتطاول البعض على أرواح الشهداء واعتبر عبور القناة 1973 مسرحية أميركية ووصول الخميني للحكم أنه ترتيب من المخابرات الفرنسية، وغزو صدام للكويت أنه بتشجيع أميركي وعودة عرفات لرام الله أنها من ترتيب جورج تينيت!

والقائمة العربية لتفسير المؤامرات لا تنتهي، ولكن السؤال الذي أرجوكم أن تنتبهوا إليه هو: إذا كان التاريخ لا يخلو من المؤامرات، فهل كل شيء يحدث لنا هو مؤامرة من الخارج؟

أين مسؤوليتنا نحن عما حدث: من حق العالم أن يفكر ويخطط ويتآمر سرا أو علنا علينا، لأن هذه هي وظيفة الساسة والحكومات وأجهزة الاستخبارات، ولكن من حقنا أيضا أن تكون لدينا الحصانة السياسية والحصافة والعقلية للرد المضاد ولحماية الذات.

لا توجد مؤامرة تعمل وحدها بمجرد إطلاقها بالريموت كنترول.

أي مؤامرة لا تنجح إلا إذا وجدت أرضا خصبة صالحة للاستجابة.

نعم التاريخ فيه تآمر ولكن لا يمكن أن يكون تفسيره الوحيد والمريح لنا أنه مؤامرة ضدنا.