بعبع الحقائب الوزارية

TT

مضى حتى الآن أكثر من أسبوعين على موعد إجراء انتخابات المجلس الوطني التأسيسي بتونس. أسبوعان أو أكثر من الضبابية والصمت، اللذين يعجان بالكلام والمخاوف والتساؤلات؛ ذلك أنه كان من المنتظر أن يتم الإعلان عن الحكومة الجديدة منذ أيام، أو على الأقل توضيح خريطة الطريق السياسية الجديدة التي ستنضبط لها جميع الأطراف إلى حين انتهاء أعمال المجلس الوطني التأسيسي وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في مدة أقصاها سنة.

غير أن طبيعة نتائج انتخابات المجلس الوطني التأسيسي، التي لم تكن متوقعة، قد أربكت الفعل السياسي في تونس بشكل يفيد بأن السيناريوهات التي وقع إعدادها لا تتماشى والواقع الجديد لسلم القوى السياسية الذي تترأسه حركة النهضة و«العريضة الشعبية» و«التكتل من أجل العمل والحريات» وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية.

ويبدو أن هذا التأخير في الإعلان عن تركيبة الحكومة وكيفية توزيع الحقائب داخلها إنما يعود، في سبب من الأسباب، إلى أن جوهر اللعبة السياسية في تونس قد انطلق الآن، والأحزاب المهمة التي فشلت وحصدت عددا هزيلا من المقاعد اختارت أن تلعب دور المعارضة بدلا من أن ترضى بالقليل وبما قد تمنه عليها الأحزاب الرابحة التي من الواضح أنها تحاول مقايضة المعارضة بالاستقطاب.

من جهة أخرى، حركة النهضة، التي فاجأت وفوجئت، لم يجنبها فوزها الساحق الشعور بالخوف من إمكانية السقوط في الامتحان.

فكما هو معلوم، المجلس الوطني التأسيسي جولة مهمة من جولات مقبلة أكثر أهمية، وليس في صالح حركة النهضة تسجيل أي خسارة في هذه الجولة التي تخولها نظريا النتائج التي أحرزتها بقيادتها نسبيا.

لكن اختيار أطراف مهمة لدور المعارضة وتعمد ترك المجال فسيحا للنهضة ولحلفائها هو وضع يفرض سيناريو الفشل مهما اجتهدت حركة النهضة؛ حيث إن السياسة لا تدبر بالأماني والدعوات بل بالإمكانات والموارد والواقع الاقتصادي المشجع، وهو ما لا يتوافر في الاقتصاد التونسي حاليا؛ فالمشاكل المالية في تراكم، والبطالة في تردٍّ، وغلاء المعيشة في تصاعد، والكل في انتظار معجزة اقتصادية تنقذ تونس من مشاكل مقبلة على عجل.

والمواطن التونسي، الذي أعطى صوته لحركة دون أخرى، إنما أراد أن يجرب أداء أطراف لم تمارس السياسة واقعيا. ومن ثمة، فإن خلفيات أي حزب، مهما كانت طروحاته قريبة من وجدان التونسي، فإنها لن تشفع له إذا لم يشعر التونسي المعروف بالبراغماتية أن مصالحه لم تلبَّ.

لذلك، فإن حركة النهضة، وغيرها من الأحزاب القليلة الفائزة في المعركة الانتخابية مؤخرا، هي حاليا بين المطرقة والسندان: بين تحمل مسؤولية ثقة الشعب وتسلم الحقائب بثقة وهمة عاليتين والاستسلام لبعبع الحقائب الوزارية ورئاسة الحكومة وخوض الامتحان الذي لن يسلم منه أي طرف سياسي مشارك؛ حيث سيتم التعاطي معها كعلامات للفشل السياسي والاقتصادي دون أن ينصت أحد إلى الأسباب بموضوعية.

هكذا نفهم كل هذا الصمت والتردد في التنافس على حقائب وزرها أكبر وأثقل من وزارة.