سبق يتيم!

TT

لم أهتم في حياتي المهنية بما يسمى السبق الصحافي، لأنني منذ اليوم الأول لم أعمل في حقل الأخبار. وخلف المكتب لا سباق ولا سبقات. وبمحض الصدفة حققت مرتين ما يمكن اعتباره سبقا، لكن «النهار» يومها تأخرت في تصديقي. الأولى عندما أفرج الماريشال تيتو عن نائبه ميلوفان دجيلاس، وكنت في باريس، فكتبت إليه في بلغراد أطلب لقاء، ورد علي برسالة مطولة بخط يده.

عندما بعثت المقابلة بعد وقت إلى «النهار» تداول مجلس التحرير الأمر وقرروا أنه يستحيل أن أكون بين صحافيي العالم المتسابقين على كلمة مع الرجل. وعندما اقتنعت «النهار» أخيرا بنشر اللقاء كان السبق متأخرا. وفي عام 1974 أرسلت من الأمم المتحدة إلى «النهار» أن حظر النفط العربي سيرفع بعد شهر، أي في نحو 18 مارس (آذار)، وأيضا شككت «النهار» في الخبر وترددت في نشره، وأخيرا وضعته على عمودين في الأولى بدل المانشيت. وفي 18 مارس وصلت أول حاملة نفط جزائرية إلى ميناء نيويورك.

«السبقان» اللذان لم تتحفظ «الشرق الأوسط» عليهما، يوم استأذن الأستاذ محمد حسنين هيكل بالانصراف، وكتبت هنا أن الكاتب لا يتقاعد ولا ينصرف ويكتفي بالاستئذان. والمرة الثانية عندما أعلن المشير علي عبد الله صالح أن هذه (تلك) هي آخر مرة يرشح نفسه للرئاسة. وكتبت يومها أن سيادة فخامة المشير سوف ينزل بعد ست سنوات عند ضغط الشعب ومطالبه ويقبل بالترشح للرئاسة غدا وبعد غد وإلى الأبد.

ذلك هو «السبق» الصحافي الوحيد الذي لم يعطله أحد عليّ. ولا تهمني مشاعر الشعب اليمني ولا مشاعر الشعب العربي ولا أعصاب صديقي أمين مجلس التعاون، فأنا مدين للأخ قائد الثورة الدستورية الديمقراطية في اليمن، بفضله العميم. لولاه لكنت يتيما أمضي العقود في هذه المهنة ولا أستطيع ادعاء سبق واحد. سافرت العالم مراسلا، شرق الكرة وغربها، وما من سبق أدعيه أو أزعمه. فإذا بالرئيس علي عبد الله يكرمني شخصيا ويتجاهل رغبات الشعب اليمني وأماني الشعب العربي، ويجدد ثم يمدد ثم يبقى ثم يصمد.

وكلما التقيت الصديق الزياني في مكان، يعرف سلفا ما هو سؤالي الأول (أي قبل كيف الحال؟ كيف الصحة؟ كيف العائلة؟) فيضحك. ثم يضحك طويلا. لا أنا سألت بعد ولا هو أجاب. لكن هو عرف أن السؤال: ما هي آخر أخبار صديقكم في صنعاء؟ وأنا أعرف أن الجواب هو: صديقنا في صنعاء أعلن آخر وعد بتوقيع الوساطة الخليجية، استنادا إلى الدستور اليمني، والمفهوم الديمقراطي الشعبي للأصول التاريخية المعمول بها في الأنظمة الحرة ذات السيادة المستقلة.

وإذا كان الرئيس صالح لا يزال يقرأ هذه الزاوية: يا سيدي.. شكرا. سبق وحيد وحققناه. وقِّع. الزياني يريد العودة إلى شغله وأهله.