انتهاك العقل العربي!

TT

أزمة العقل السياسي العربي أنه يفتقر إلى الخيال عند تعامله مع إدارة الأزمات أو في سعيه لاستشراف المستقبل.

أخطر ما يواجه هذا العقل هو فكرة الثنائية الحادة التي تقوم على احتمال «إما» كذا و«إما» كذا، ولا يتخيل العقل العربي أي احتمال غيرهما.

على سبيل المثال وليس الحصر، إما أن تكون معي أو ضدي، إما أن تكون مع الحاكم أو ضده، إما أن تشجع الهلال أو النصر، إما أن تكون مع ثقافة الغرب أو الشرق، إما أن تقبل العرض الذي نتقدم به أو ترفضه!

لا مجال، في هذه المدرسة من التفكير، للإضافة أو التعديل أو التفاوض الإيجابي أو الحوار حول المسألة.

لا مجال، في هذه المدرسة من التفكير، للجوء إلى ما يسمى التفكير «الإبداعي» الذي يعتمد على فلسفة رائعة تقول: «لا توجد مشكلة أو مسألة ما ليس لها أكثر من حل». وفي هذا النوع ثنائي القطبية تأتي التحليلات السياسية التي تعتمد على التفكير التقليدي.. مثلا فيما يختص بمستقبل النظام السياسي في سوريا، فإن التصورات المتداولة الآن تقوم إما على استمرار الرئيس بشار أو نهايته على يد المعارضة.

بهذا المفهوم يصبح أمامنا إما أن يستمر الرئيس بشار ونظامه في الحكم أو أن يتم إسقاط نظامه لصالح المعارضة.

ولم يفكر أحد، ولو للحظة واحدة، في احتمال بالغ الأهمية، هو أن يستمر «النظام الحالي» ولكن من دون الرئيس بشار!

ألا يمكن أن يتنازل الرئيس عن الحكم لنائبه فاروق الشرع أو لقيادة الجيش السوري؟ ألا يمكن أن تقوم قوى من الدائرة المقربة من بيت الرئيس الأسد بعمل عمل انقلابي يركب ثورة الشارع فيستطيع بهذا العمل الحفاظ على النظام والطائفة؟

حينما أشاهد بعض كبار رجال النخبة السياسية في عالمنا العربي وهم يعطون تصريحات يقينية جازمة حول قضايا شديدة التعقيد وشديدة السيولة، أشعر بغضب هائل؛ لأنه لم يخلق بعدُ من يمكن أن تكون لديه هذه الحكمة الأسطورية القادرة على حسم المستقبل بصورة قاطعة.

ألم يسمع هؤلاء عن علم الاحتمالات؟ ألم يسمع هؤلاء عن علم دراسة المستقبليات؟ ألم يسمع هؤلاء عن المدارس المتعددة للتفكير الإبداعي؟

يقول البروفسور دي بونو، رائد مدرسة التفكير الإبداعي: «المشاكل غير التقليدية لا يمكن حلها بأسلوب تقليدي». وفي حديث قدسي طويل يُروى عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، جاء فيه: «إن الملائكة سألت رب العرش العظيم: هل خلقت يا ربنا ما هو أعظم من العرش؟ فأجاب الله جل وعلا: نعم خلقت العقل».

العقل أعظم من عرش الخالق، هكذا حدثنا الله، فما بالنا ننتهك تلك النعمة العظيمة ونهدرها صباحا ومساء؟