سوريا والجامعة العربية

TT

بعد ثمانية أشهر من المظاهرات في سوريا، علقت الجامعة العربية أخيرا عضوية سوريا بها يوم 12 نوفمبر (تشرين الثاني)، مثلما فعلت مع ليبيا في يوم 22 فبراير (شباط) من هذا العام. وفي حالة ليبيا، التي أعيدت عضويتها الكاملة بالجامعة مجددا في أغسطس (آب) الماضي، أشارت تقارير صادرة في ذلك الوقت إلى أن الدولتين العضوين، الجزائر وسوريا، كانتا قد سعتا إلى معارضة إجراءات الجامعة العربية ضد ليبيا، لكنهما كفتا عن المعارضة نتيجة ضغط الإجماع العربي الذي تكون داخل الجامعة.

ومع تكرار الخطوة التي اتخذت في فبراير نهاية الأسبوع الماضي، صوتت لبنان واليمن ضد تعليق عضوية سوريا، فيما امتنع العراق عن التصويت من خلال معارضة مبدئية وحرص على المصلحة الشخصية.

وكان رد فعل الحكومة السورية، الممثلة في شخص يوسف الأحمد، سفير سوريا لدى الجامعة العربية، والذي ترأس الوفد المفوض أثناء جلسة الطوارئ التي عقدتها الجامعة العربية حول سوريا بمقر الجامعة العربية في القاهرة، ووزير الخارجية السوري المعلم، متوقعا ومفهوما، خاصة التعبير السياسي الذي استخدماه.. مثلما يقال: «كل إناء ينضح بما فيه».

قال المعلم: «قرار الجامعة العربية بتعليق عضوية سوريا يمثل خطوة غاية في الخطورة». وأتى التعليق عقب ظهور صعوبات في تنفيذ اتفاق سلام لإنهاء العنف في الدولة المحاصرة وبدء الحوار بين الحكومة والمعارضة. واتهم وزير الخارجية السوري، الدول العربية بالتآمر ضد دمشق بعد أن صوتت الجامعة العربية على تعليق عضوية الدولة بالجامعة بعد شن هجمات ضد متظاهرين. ومن خلال حديثه في مؤتمر صحافي في دمشق يوم الاثنين 14 نوفمبر، وصف المعلم التصويت شبه الإجماعي بأنه «مشين ومخز».

وأشار المعلم إلى أن تصويت الجامعة العربية لم يكن شرعيا، قائلا إن الجامعة قد خضعت لضغط خارجي. وقال: «إنها خطوة غاية في الخطورة ستؤثر على التعاون العربي في الحاضر والمستقبل. ويحتاج القرار إلى موافقة بالإجماع من جميع الدول العربية بخلاف الدولة المعنية. وهذا لم يحدث».

وعلقت الجامعة العربية عضوية سوريا بسبب عجزها عن الالتزام باتفاق تضمن سحب قواتها العسكرية من المناطق السكنية وبدء محادثات مع المعارضة السورية في محاولة لإنهاء العنف.

في الوقت نفسه، يقول الملك عبد الله ملك الأردن، إن الرئيس بشار الأسد يجب أن يتنحى، مما يجعله أول حاكم عربي يوجه مثل هذا المطلب.

تصويت الجامعة العربية على تعليق عضوية سوريا - الذي يمثل دفعة قوية للمعارضة السورية - يضع دمشق في مواجهة مباشرة مع القوى العربية الأخرى، ومن بينها قطر والمملكة العربية السعودية، اللتان أيدتا تعليق عضوية سوريا.

ويؤكد الرئيس الأسد على أن المتطرفين الذين يروجون أجندة أجنبية لزعزعة استقرار سوريا هم الذين يقفون وراء حالة الاضطراب في الدولة، وليس المتظاهرين المناوئين للحكومة. وهذا النوع من رد الفعل تجاه تلك القضايا ليس بأمر جديد، وهو يعمل كعصا سحرية يستخدمها الحكام المستبدون في تحديد معارضيهم وكيل الاتهامات ضدهم. كان ستالين أشهر مثال على اتباع هذا النهج. وينطبق الأمر بالمثل في إيران، فإذا ما انتقدت الحكومة هناك، سيقولون إنك عميل لأميركا وإسرائيل. وحتى قبل الثورة الإسلامية ووقت حكم الشاه، وصف النظام الإيراني آية الله الخميني وأتباعه بأنهم عملاء استعمار أسود وأحمر. ويعني هذا اتهامهم بأنهم مؤيدون للمملكة المتحدة أو الاتحاد السوفياتي.. وفي ما يلي مثال قوي بثته وكالة أنباء «سانا»:

«أكدت القيادة القُطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي أن قرار جامعة الدول العربية بتعليق مشاركة سوريا في اجتماعات الجامعة وما تضمنه من بنود أخرى قرار مسبق الصنع في سابقة خطيرة هدفها تقويض العمل العربي المشترك وتهديد الأمن القومي العربي عبر استهداف سوريا باعتبارها قلعة المواجهة وتدافع عن ثوابت الأمة ومصالح الشعب العربي. وبينت القيادة في بيان لها اليوم أنه بهذا القرار تكشفت المرامي والأهداف المبيتة، ونجحت الإدارة الأميركية حامية مصالح إسرائيل والمدافعة عنها في اختراق الصف العربي والتأثير في قرارات مؤسسة عربية كان من أبرز أهداف إنشائها وحدة العمل العربي المشترك في مواجهة الأخطار التي تهدد الأمة العربية، لتتحول إلى مؤسسة تستهدف قلب العروبة النابض ودورها القومي، لافتة إلى أن قرار الجامعة بشكله المخالف للميثاق والمتناقض مع الأهداف والمشبوه شكلا ومضمونا وأدوات يشكل أفدح الأخطار على الأمن الوطني والقومي العربي وعلى العلاقات العربية، ويضع الجامعة العربية في مكان غير الذي أسست من أجله وأهداف غير التي أجمع عليها العرب ودور غير الذي أنيط بها».

لحسن الحظ، لم تقم الجامعة العربية بتعليق عضوية سوريا فحسب، وإنما دعت أيضا المجلس الوطني في سوريا لحضور الجلسة الخاصة بالشأن السوري في الجامعة العربية. بعبارة أخرى، يعني هذا أن الجامعة العربية اعتبرت المجلس الوطني الممثل الشرعي لسوريا، كأمة وكدولة. وهذه هي الخطوة الثانية، وقيمة ومصداقية الدعوة تتجلى في تعليق عضوية النظام السوري في الجامعة العربية.

في إحدى المرات، قال وزير الخارجية السوري: «إننا لا نتخيل عالما من دون أوروبا!»، وربما يكون الوقت الحالي هو الوقت المناسب بالنسبة للمعلم لتخيل عالم من دون الدول العربية، باستثناء سوريا!.. إنه عالم أوهام يعيش فيه الساسة السوريون.

وفي جميع التصريحات واللقاءات والخطب التي أدلى بها بشار الأسد، أكد على أن سوريا هي قلعة المواجهة. حسنا! هذا أمر عظيم، لكن هذه المواجهة ليست جيدة، وجانب المعارضة ليس ممثلا في إسرائيل أو أميركا، في هذه الحالة، حدثت المواجهة ضد السوريين كسكان دولة عظيمة ومقموعة. لقد واصل الجيش وقوات الأمن السورية قتل وتعذيب والقبض على واعتقال عدد هائل من الأفراد طوال الأشهر الثمانية الماضية.. وهذا هو جوهر الأزمة. قلب العروبة النابض ليس هو الحكومة السورية، وإنما الأمة العظيمة التي واصلت مقاومتها للاستبداد.