مصر.. معركة مستحقة لكنها متأخرة

TT

ما نشاهده في ميدان التحرير بالقاهرة اليوم هو معركة تأخرت، ومنذ إسقاط، أو تنحي، نظام مبارك، حيث كان من المتوقع حدوث تلك المعركة، لكنها تأخرت كثيرا، وهي معركة بين ثلاثة أطراف، المؤسسة العسكرية من ناحية، والإخوان ومعهم السلفيون بالطبع، والطرف الثالث هو شباب الثورة.

الشباب كانوا على قناعة بأن العسكر قد باعوهم للإخوان، والمجلس العسكري نفسه كان يتعامل مع الإخوان على أنهم القوى الحقيقية المنظمة، ويفترض أنهم سيلعبون سياسة، لكن على طريقة «أنت عارف وأنا عارف» أي: كلٌ منا يعي قوة وحدود الآخر، أي لعب مع الكبار. أما شباب الثورة فدائما ما كانوا بمثابة الحطب للإخوان الذين كانوا دائما حمالة الحطب، وبالنسبة للعسكر فقد كان الشباب مجرد «شوية عيال»، فمطالب الشباب طامحة لكن دون معرفة أو تأثير سياسي حقيقي على المشهد المصري بعد مبارك. ومن هنا يتضح أن الأطراف الثلاثة الفاعلة في المشهد السياسي المصري، المجلس والإخوان والشباب، لا يثقون ببعضهم البعض، والكل كان يلعب على الوقت، بينما هناك طرف رابع، يرى البعض أنه مهم ويسمونه في مصر «حزب الكنبة»، أي الأغلبية الصامتة التي تشاهد وتترقب، وقد تكون لها كلمة مختلفة في الانتخابات، ويؤمل البعض أن تكون هي الأغلبية القادرة على الحيلولة دون تحقيق الإخوان الأغلبية البرلمانية. وقد قال لي أحد أبرز المرشحين لانتخابات الرئاسة المصرية أن «لا أحد سيحقق الأغلبية الساحقة في البرلمان القادم، وإنما ستكون ائتلافات هشة، وبالتالي فلن ينفرد أحد بكتابة الدستور وحده».

وهو الأمر الذي يخيف الشباب اليوم، وهو ما سبق أن حذرناهم منه، هم والقوى الليبرالية، وقلنا إن عليهم ألا يكونوا مثل سنة العراق بعد سقوط صدام. حينها تهكم البعض، واستخف البعض الآخر، وها هم الشباب اليوم يسابقون الوقت، ويقولون إن ثورتهم قد سُرقت! وهذه ليست إشكالية العسكر بالطبع، فالمجلس العسكري توهم، مخطئا، أنه من الممكن لعب سياسة مع الإخوان. وبالتالي فإن مطالبه الرئيسية، وقبل الانتخابات القادمة في 28 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، تكمن في نقاط محددة، وهي أنه الضامن لأمن الوطن، وحماية ميزانيته، وكذلك مدنية الدولة، فهناك التزامات دولية، وقلق حقيقي لدى الأقباط، وهذا ما أشعل غضب الإخوان.

وعندما نقول إن الجيش توهم خطأ حين تعامل مع الإخوان، فإن المجلس العسكري - كما يقول لي مراقب مصري ذكي - «تناسى أن تاريخ الإخوان، سياسيا، يقول إنهم قد يركبون معك القطار، لكنهم يغادرونه قبل المحطة المتفق عليها» أي لا يلتزمون بوعد. وبالطبع فإن إخوان مصر ليسوا إخوان تركيا الذين خاضوا لعبة السياسة في بلادهم وفق شروط موضوعة، أي دستور معد من الأصل، بينما إخوان مصر يتأهبون للعب وفق شروط قد يضعونها هم عندما يكتبون الدستور، في حال كان لهم الأغلبية، وما لم يتحرك «حزب الكنبة» كما يأمل البعض في مصر.

وعليه، فما يحدث في مصر هو معركة مستحقة، لكنها متأخرة جدا!

[email protected]