الداء والدواء

TT

الحديث عندنا في هذه الأيام: كيف نسقط النظام القائم؟ في الغرب يدور الحديث حول: كيف نديم النظام القائم؟ هذا ما نسمعه مرارا في عواصم الغرب. يتناقش الاقتصاديون والساسة في مواضيع الدَين وتوقف النمو وشبح البطالة وهلم جرا. هل يمكن حل الأزمة بزيادة سعر الفائدة أو تخفيضها، بتسهيل الاقتراض أو تحديده... إلخ؟ تقع هذه الأسئلة كلها في نطاق الاقتصاد الجزئي، في رأيي. ولا علم لي فيه، لكنني أنظر للموضوع من زاوية أخرى؛ الزاوية الشاملة التي تتناول أسس الحياة المعاصرة وفلسفة النظام القائم.

نحن مدينون بكل هذا الرخاء والتقدم للنظام الرأسمالي الذي غرس في النفوس وازع الكسب. وهو ما حفز العامل على زيادة الإنتاج وحفز العالم والتكنوقراط على زيادة الإبداع والاختراع وحفز الساسة والحكام على التوسع والاستكشاف والاستيلاء، ودفع صاحب المال للاستثمار. وهذا ما أوصل البشرية لهذا الازدهار القائم. سعى الاشتراكيون والشيوعيون إلى استبعاد عنصر الكسب ففشلوا. استرجعته الصين وبدأت بالسيطرة على الأسواق العالمية.

تتطلب زيادة الكسب زيادة الإنتاج. وهذا يتطلب زيادة استهلاك المنتجات. لا بد من الحصول على مشترين. ظهرت فنون التسويق، بالإعلان، بالتنويع والتجديد وكل مغريات الموضة وسيكولوجية التباهي والتنافس والتنابز: بيتي أكبر من بيتك وسيارتي أحدث من سيارتك... إلخ.

ساعد الفكر الاشتراكي الرأسمالية في هذا الصدد بغرس روح المساواة. أصبح العامل والفلاح ينتظران أن يكون في بيتيهما المعدات نفسها التي في بيت صاحب المعمل أو الأرض. وأصبح من العيب على الزوجة ألا تلبس حذاء وفستانا مشابهين لحذاء زوجة المدير وفستانها.

لكن من أين لها أن تشتري مثل ذلك؟ تشتريه بالاقتراض، وعندما تتراكم الديون عليها تضطر لاساليب غير مشروعة، ويضطر زوجها للاختلاس والارتشاء والتزوير. وما فعله الأفراد فعلته الحكومات؛ فبدخول اليونان الاتحاد الأوروبي، أصبح المواطن ينتظر أن يعيش بمستوى المواطن الألماني أو الهولندي، يلبس ويأكل مثله، لكن اليونان بلد فقير، من أين يأتي بالفلوس؟ طبعا بالاقتراض. وتراكمت القروض على الحكومة فاضطرت إلى غش الحكومات الغربية بشأن ثروتها.

وهذه هي أزمة اليورو. بعض الدول في أميركا اللاتينية وجنوب آسيا تحل مشكلتها فعلا بتسويق نسائها للدعارة، لكن في أوروبا الجنس مباح ولا أحد يدفع عنه، وكله من نتائج الدفع الرأسمالي للكسب وزيادة الإنتاج والاستهلاك.

وصل هذا الدفع زخما وقوة سحرية جعلا حتى الدول الغنية، كأميركا، تعيش فوق مستواها، وكله بالدَين والقرض الحسن وغير الحسن. نصح الأطباء محافظ بنك لويدز، مؤخرا، بضرورة أخذ إجازة طويلة من العمل خوفا على حياته بعد أن أعياه حل مشكلة الديون. لو كنت طبيبه لقلت له كفاية هذا الهوس بزيادة الربح وزيادة النمو وزيادة الإنتاج وزيادة العلاوات المليونية. لقد وصلتم ما يكفي من الرخاء والطمع أقصر طريق لنار جهنم. أفسحوا المجال للشعوب الفقيرة لتلحق بكم. أنتم تموتون بالبدانة وفقراء العالم يموتون بالمجاعة.