في مطبخ العقيد

TT

روى أحد موظفي القذافي لمجلة «نيويوركر» أن عقيده أساء استقبال وزيرة خارجية أميركا السابقة، كوندوليزا رايس، فرفض مصافحتها، وخلال اللقاء قدم لها غيتارا وكأنه يطلب منها أن تغني له. وأضاف: «كان يجب أن تنسحب في اللحظة التي رفض فيها مصافحتها لكنها لم تفعل. لقد انتصرت المصالح الأميركية. ونحن الليبيين شعرنا بخيبة أمل عميقة لأن هذا يعني أنه كان في إمكانه شراء أي كان».

لم أذكر اسم الليبي الذي نقلت عنه هذا الكلام أكبر مجلة أميركية اليوم (عدد 7 نوفمبر/ تشرين الثاني) لأن روايته تتناقض تماما مع تلك التي أوردتها رايس في كتابها الجديد «ليس من تشريف أعلى» عن سنواتها مع جورج بوش. في رواية رايس عن الزيارة أن «الترتيبات لم تكن سهلة نظرا إلى تاريخ القذافي في الوحشية وإلى طلبات الجانب الليبي، ومنها أن تتم الزيارة في خيمة القائد. رفضت ذلك طبعا. وكان وزير خارجية البرتغال قد نصحني بأن أبدأ أي مقابلة معه بالحديث عن أفريقيا. ثم قال لي: لا تتفاجأي عندما يقول شيئا مجنونا. فلا يلبث أن يعود إلى الخط».

تصف طرابلس لدى وصولها بأنها كانت مدينة جميلة ذات يوم وقد أصبحت مهملة ومتعبة «وبدا أن الأضواء الوحيدة كانت تلك اللوحات التي كتبت عليها أقوال القائد (الملهمة). بعد ساعات عدة من الانتظار في الفندق دعينا إلى مقر إقامته، حيث سلمت على القائد الليبي أمام مئات فلاشات التصوير. قال القذافي بضع كلمات ملائمة تماما وكذلك فعلت، وغادر الصحافيون. وبدأنا الحديث كما نصحني الصديق البرتغالي بالحديث عن أفريقيا بصورة عامة وعن السودان خاصة. ووعد بأن تؤمن ليبيا طرقا بديلة لإيصال المساعدات إلى اللاجئين. وقلت في نفسي: كل شيء على ما يرام، فهو لا يبدو مجنونا. لكن فجأة، كما تكهن الصديق، توقف عن الكلام، ورفع رأسه إلى الخلف، وراح يديره إلى الأمام وإلى الوراء. وقال فجأة في صوت عال: قولي للرئيس بوش أن يتوقف عن الحديث عن حل الدولتين في إسرائيل وفلسطين. يجب أن تكون هناك دولة واحدة (إسراطين). صدفت زيارتي خلال رمضان. وبعد المغرب دعاني الأخ القائد بإصرار إلى الإفطار في مطبخه الخاص. واعترض مساعدي كولبي كوبر بأن ذلك ليس على برنامج الزيارة. كذلك اعترض مرافقو الأمن، وخصوصا أنه طلب منهم البقاء خارجا. لكنني شعرت أن في إمكاني العناية بنفسي، ودخلت (المطبخ) وقال لي القذافي إنه أعد لي تسجيلا، فتساءلت عما يمكن أن يكون، فإذا به مجموعة صور لي مع زعماء العالم، مرفقة بأغنية عنوانها (الزهرة السوداء في البيت الأبيض) كتبها شاعر ليبي خصيصا. كانت أغنية غريبة لكنها على الأقل لم تكن شبقة.

شعرت أن القذافي كان يعيش في عالم خاص داخل رأسه، تتناوب فيه الحقيقة والخيال. وأحسست بفرح غامر لأننا جردناه من أسلحة الدمار الشامل. فلم يعد لدي أي شك بأنه في اللحظة الأخيرة في خندقه، كان ممكنا جدا له أن يستخدمها».