قابيل يطور كل شيء إلا نفسه

TT

كم تطور الإنسان وتحضر: يقبض على سيف القذافي، في فضاء الصحراء، بعد تعقب مكالمتين: الأولى مع والدته في الجزائر، والثانية مع شقيقه، الساعدي، في النيجر. وهو، كما تعرفون، بطل من أبطال الكرة العظام، بالإكراه، فوق هذه الكرة الكروية التي يتدحرج عليها اللاعبون السيئون، بضربة الجزاء.

كم تحضر الإنسان وكم تقدم: سفن تدور حول الأرض، وأقمار تجوب الفضاء، والطماطم تزرع في المياه، والناس تسافر بسرعة الصوت، ثم هذا الاختراع العجيب: هاتف صغير في جيبك، يصلك بصديق في هونولولو، أو يصل الحلف الأطلسي بثوار الزنتان.

الوحيد الذي لم يتطور ولم يتقدم، منذ سيدنا آدم، هو فرع قابيل في العائلة البشرية. قاتل وفتاك ومجرم. جرائم فردية وجرائم جماعية وإبادات ومؤامرات ودسائس وبلطجية وشبيحة وسفاكون وجلادون. وجميعهم بلا حدود. كم تلاقت آخر اختراعات الإنسان مع أولى غرائزه: القتل والخداع والخطيئة. مسكين سيف القذافي، نموذج الجيل الثاني، وهو يقع في قبضة الجيل الرابع من اختراع الجواويل. أو السيلولير، باللبنانية. يطور الإنسان كل شيء إلا نفسه. استخدم رجال «القاعدة» مخارز الثلج لخطف الطائرات المدنية، فطور الأميركيون الطائرات بلا طيار. أما القتل فمتبادل، وبشره بالقتل، ولو بعد حين.

لا تسمح الأحداث المتسارعة لنا بالتأمل والعودة إلى الروحانيات، لكن ما هذا الذي نراه أمامنا؟ كم يبعد عن بوابة الجحيم؟ وكم يقرب من عصر قابيل؟ هل ما نحن فيه حالة سياسية أم حالة بشرية مروعة؟ محتالو العالم يسرقون بساطته، وسفاكوه يعبرون الجسر على الرقاب ثم يلتقون أعناقهم عند نهاية الجسر، ومحكمة جنائية تطارد فردا واحدا طوال سنوات وتنسى أن القتلة – مثل ضحاياهم – جماعات.

غريب كم تطورت آلات الإنسان وكم تحجر قلبه، وكم طور سبل الاتصال وفقد روح التواصل، وكم قرب المسافات وباعد بين الشعوب، وكم ترك قابيل يفسد ويلوث ويزين صورة الشيطان ومحاسن الشر.

ما تاريخ هذا العالم؟ كنا نقرأه بعد سنوات في الكتب أو محفورا على مداخل المدن. الآن نشاهده في نشرات الأخبار، تحت صفة عاجل. نعطى أعداد القتلى والجرحى والوفيات، أرقاما بلا أسماء. وكما كان صعبا أن يصدق الناس أخبار الصحون الفضائية أصبح سهلا أن يصدقوا أخبار الطائرات الصيادة عن بعد، تطارد وتقتل وتعود ولا يعرف أحد من أي كوكب هبطت. لن يتعذب طيار برؤية من قتلهم. ويترك للجلادين متعة التفنن بتعذيب الناس وسماع صراخهم وعويل أمهاتهم.