جوبيه في أنقرة لمناقشة مضاعفات «السيناريو اللبناني»

TT

أنقرة وباريس تعرضتا في السنوات الأخيرة إلى تراجع كبير في علاقاتهما بسبب الكثير من خلافاتهما ومواقفهما المتباعدة حيال أكثر من ملف إقليمي ودولي تقدمه التداخل القوي في العلاقات التركية السورية والتقارب التركي الإيراني وهي نقلات أزعجت حكومة ساركوزي ودفعتها لقيادة الجبهة المعارضة لطلب العضوية التركي في الاتحاد الأوروبي. القيادات التركية والفرنسية وجدت نفسها وجها لوجه أمام أكثر من ملف أزمة عربية وإقليمية ودولية كان آخرها تباعد المواقف في تونس وليبيا وشرق المتوسط. لكن الواضح الآن أن العاصمتين قررتا ترك خلافاتهما جانبا والتنسيق في التعامل مع مسار الأزمة السورية ليس فقط من أجل دعم المعارضة هناك في مطالب الإصلاح والتغيير والمشاركة السياسية، بل من أجل حماية مصالحهما الشرق أوسطية المشتركة والتي ستكون عرضة للتهديد المباشر والمكلف إذا ما قررت دمشق وحلفاؤها التصعيد.

الجانبان يعرفان أن النظام السوري ما زال يملك الكثير من الأوراق والفرص القادر على لعبها ليس فقط من أجل تطويل عمر الأزمة وإدخال عوامل تأزيم وتعقيد جديدة عليها توفر له المساومة والمقايضة، بل لتهديد مصالحهما الاستراتيجية الإقليمية في أكثر من مكان بسبب طبيعة تحالفاته وشبكة العلاقات المعقدة والمتداخلة التي أقامها مع الكثير من اللاعبين المحليين والإقليميين في المنطقة.

الخطوات التصعيدية التي يتبناها البلدان في الموضوع السوري ومطالبتهما بزيادة الضغوطات والعقوبات ضد النظام ودعمهما العلني لمبادرة جامعة الدول العربية والدعوة للتوجه إلى مجلس الأمن والعمل على استصدار قرارات دولية ضد دمشق، تغضب الأخيرة وتقودها أكثر فأكثر للتلويح بمعادلة تفجير المنطقة بأكملها إذا ما شعرت أنها مهددة بالسقوط.

التطورات المتلاحقة على الساحة اللبنانية كانت بين الأسباب التي حملت وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه إلى تركيا في محاولة لمناقشة خطط التعاون المشترك لدراسة الخيارات والبدائل التي تفرض عليهما التنسيق لحماية مصالحهما هناك.

مصادر غربية تحدثت في الآونة الأخيرة عن خطط انسحاب سريع للقوات الدولية العاملة في جنوب لبنان في حال شعرت أنها ستستهدف من قبل حلفاء لدمشق في محاولة لتخفيف الضغوطات على القيادة السورية. القوات التركية والفرنسية الموجودة هناك منذ 5 سنوات والتي تعتبر نواة هذه الوحدات ومركز الثقل فيها، تعرف أنها ستكون في طليعة المستهدفين وهذا ما يقلق أنقرة وباريس أكثر من غيره ويدفعهما لتناسي الكثير من خلافاتهما الإقليمية والاستعداد لسيناريو التفجير الأمني في لبنان المرتبط مباشرة بتمويل محكمة الحريري الدولية. لا.. بل إن قرار «التصرف بحكمة ومسؤولية» خلال ترجيح وزير الخارجية اللبناني التصويت ضد قرار تعليق العضوية السورية في الجامعة العربية وما فجره من نقاشات مهددة للتحول إلى انشقاقات في صفوف الحكومة اللبنانية حيال التعامل مع الأزمة السورية، هو أيضا في طليعة القضايا التي تقلق الحكومتين التركية والفرنسية من أن يتحول ما يجري إلى أزمة حكومية تتفاعل لتصبح أزمة سياسية - أمنية تهدد مصالحهما ووجودهما في لبنان دون أي حاجة للتذكير أنهما كانا أول من ساند حكومة ميقاتي وعملا على إقناع فريق 14 آذار بمنحها الفرصة والوقت.

أكثر ما يقلق باريس وأنقرة في هذه الآونة هو ارتدادات الأزمة السورية على الساحة اللبنانية؛ هل ستقبل القيادات السياسية بالمعادلة التي رفعها النظام السوري بالتفجير الإقليمي إذا ما شعر أنه أمام خط السقوط والتي سيكون للبنان حصة الأسد فيها أم أن القوى الفاعلة في لبنان ستتوحد وتلتقي على تحييد لبنان وتجنيبه أي انفجار أمني وسياسي من هذا النوع؟

وفي الوقت الذي كان جوبيه يستعد فيه لمغادرة تركيا كان داود أوغلو يجتمع برئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني علاء الدين بروجردي ليستفسر منه عن آخر المواقف الإيرانية في الموضوع السوري وربما قد يكون قدم له عرضا فرنسيا باسم الغرب حمله جوبيه ضمن لعبة مساومات إقليمية جديدة.

زيارة خاطفة يقوم بها الرئيس نجيب ميقاتي إلى أنقرة قد تساهم في توضيح الصورة وإبعاد سيناريوهات سوداوية لا يحتاج إليها أحد في لبنان.