اسمي عديم + مشعل

TT

قديما وفي عصر الجاهلية الأولى كان الأعراب هم أكثر شعوب الأرض قاطبة في عدم الاهتمام أو التمعن أو التبصر بتسمية أبنائهم، فما أن يولد (العيل) عندهم حتى يسموه سريعا وعلى البديهة (كيفما اتفق).

وبعد أن ظهر الإسلام، حث الرسول الكريم الناس على اختيار أحسن الأسماء لأبنائهم، حتى أنه استبدل كثيرا من الأسماء غير اللائقة إلى ما هو أفضل منها.

ومع ذلك ظل أهل البادية في الجزيرة العربية إلى وقت قريب يمشون على هذا (السيستم) أو المنوال، وعلى سبيل المثال فلو أن هناك أباً سمع أن زوجته أنجبت له ولدا، وكان هو في ذلك الوقت بالصدفة جالسا (يحمس) القهوة، فلا يتورع على أن يطلق عليه اسم (محماس) أو (فنجال) أو (ملقاط) وهكذا.

وعندما اكتشف البترول، وعمل كثير من رجال البادية بشركة (أرامكو) اختلفت تسمياتهم لأبنائهم، وكان (على بالهم) بحسن نية وسذاجة أنهم يسايرون الحضارة، خصوصا أن الكثير منهم أصبحوا يسوقون الشاحنات الثقيلة، فنشأ جيل جديد يحمل أسماء مثل: حذاف، وتعشيق، ودبل، وبرغي، وبوري، وهندل، ودفرنس.

وبنات يحملن أسماء مثل: طرمبة، وسستة، وكارونة، وزرادية، وصامولة، ويايات.

وبعد أن تطورت الحياة أكثر، وبدأ التعليم يغزو الحواضر والبوادي، توجه الكثير ممن حملوا مثل هذه الأسماء العجيبة إلى (الأحوال المدنية) لتغييرها، وأعرف أحدهم كان اسمه (حنش) عندما سألوه ماذا يريد من اسم بديل قال لهم (ثعبان)، واتضح فيما بعد أنه متخلف عقليا.

والآخر كان اسمه (تعشيق) تحول بكل طواعية وفرح إلى عبد الرحمن، أما أخته (طرمبة) وما زالت حية ترزق فقد رفضت أن تستبدل اسمها (بحفصة) ترحما منها ووفاء لوالدها الذي سماها، وظلت إلى الآن تحمل اسمها القديم، وكادت بهذا تتسبب لابنها بمصيبة، وذلك عندما ذهب الابن للالتحاق بوظيفة، وكان لا بد منه أن يملأ استمارة يذكر فيها اسم والده ووالدته، وعندما قرأ الموظف اسم أمه بالاستمارة لم يتمالك نفسه فانفجر يضحك بطريقة هستيرية، فأحس الابن بالإهانة، فما كان منه إلا أن يقفز عليه فوق مكتبه ويضربه ضربا مبرحا وكاد يقضي عليه، ونقلوا الموظف المسكين إلى العناية المركزة في المستشفى، ونقلوا الابن إلى السجن.

بل إن أحدهم كان يعمل مع الأميركان في اكتشاف مكامن النفط، وذلك بإحداث تفجيرات على الأرض، وعلم وهو هناك على رأس العمل أنه رزق ببنت، فسماها على الفور ومن دون تفكير (ديناميت)، وكان لها من اسمها نصيب لأنها بعد ذلك تزوجت وطلقت ثلاث مرات، نتيجة لحماقاتها و(زفارة) لسانها - والعياذ بالله.

وإذا نسيت فلا يمكن أن أنسى نفسي، فأخوالي ولا فخرهم من أهل البادية، وولدت في صحراء بعيدة نائية فسموني (عديم)، وبعد أيام عرف والدي رحمه الله بذلك فغير اسمي إلى مشعل.

وللتوضيح فاسم عديم يعني عندهم الشجاع، ونسوا أنه قد يعني كذلك: عديم الفائدة أو الذوق أو الفهم.

ولا أستبعد إطلاقا أنني أحمل من اسمي الأول الكثير والكثير من النصيب، (ومفيش حد أحسن من حد) - مثلما يقول إخواني وأحبابي من أهل مصر.

[email protected]