«التورتة» في خدمة الشعب!

TT

بعد أن حدثناكم عن مصطلحي «الفلول» و«الأجندات» اللذين تمخضت عنهما ثورة 25 يناير (كانون الثاني) في مصر، نحدثكم اليوم عن مصطلح استراتيجي بالغ الأهمية في الحياة السياسية هذه الأيام وهو مصطلح «التورتة». «التورتة» بالعامية المصرية هي الكعكة الكبيرة، مثل كعكة أعياد الميلاد، وعرفت هذه التسمية منذ عام 1882 عقب قدوم مهاجرين من إيطاليا واليونان إلى الإسكندرية. وأصبحت كلمة «تورتة» شائعة الاستخدام عند الناس حينما يذهبون إلى محلات المخبوزات والحلوى، لذلك يقول الإنسان «عاوز تورتة فواكه» ولا يقول «عاوز كعكة فواكه».

ولأن الحلوى في مصر مثلها مثل معظم بلدان العالم هي نوع من الجائزة الغذائية التي يكافئ بها رب الأسرة أسرته أو يهديها خطيب إلى خطيبته عند الزيارة فقد انتقل هذا المعنى، وتحورت هذه القيمة في زمن الأحداث الأخيرة في مصر إلى أنها أصبحت الجائزة السياسية التي يتنافس عليها الفرقاء. وأصبحنا نسمع ونقرأ ونشاهد من يقول إن مصر «الغنيمة» أصبحت مثل «التورتة» التي يتكالب عليها الفرقاء، بدءا من فلول الحزب الوطني إلى «الإخوان» إلى النخب المثقفة.

ودرجت عبارة «كل واحد عاوز ياكل لوحده»، أو عبارة «كل واحد عاوز أكبر حتة من التورتة». وأحيانا تكون العودة إلى الموروث الشعبي أو الدارج من لغة الشارع التي يستخدمها العامة هي خير معبر عن الضمير العام للرأي العام.

والصراع على «التورتة» في مصر اليوم يعكس حالة من الانتهازية السياسية المفرطة التي تتعدى منطق الدفاع عن المصالح إلى حد بيع الضمائر لمن يدفع أكثر أو يعطيك مقاعد أكثر في البرلمان. وما يردده ثوار ميادين التحرير في مصر يؤكد أن النخبة السياسية أصبحت أسيرة فكرة الاستحواذ على التورتة حتى لو كان ذلك على مصالح مستقبل البلاد. وأزمة التورتة في مصر أن الجميع يفكرون في قضم قطعة منها أو الاستحواذ عليها، لكن لا أحد يفكر في طهوها أو زيادة حجمها! وبازدياد الأزمة الاقتصادية، وانفلات الأمن، وصراع القوى الذي ينذر بمخاطر شديدة قد تصل إلى مرحلة إعلان الأحكام العرفية في البلاد، فإن الصراع على التورتة لن يصبح له أي معنى، لأن «التورتة» نفسها معرضة للتعفن والفساد النهائي! لم تعرف مصر في تاريخها نقاء ثوريا مثل ذلك الذي عاشته من 25 يناير حتى 11 فبراير (شباط) 2011، ولم تعرف أيضا في تاريخها انتهازية مدمرة مثل تلك التي أعقبت الاستفتاء الدستوري في مارس (آذار) الماضي حتى اليوم. لقد أخرجت الثورة أفضل ما في نقاء الشباب وأسوأ ما في انتهازية الشيوخ. سألت نفسي وأنا أرى المعركة المحتدمة على «تورتة مصر» عما يجب أن أفعله، فقررت اليوم على صفحات هذه الجريدة الغراء أن أعلن عن قيام حزب جديد اسمه «حزب التورتة المصرية»!.. وبعد تفكير عميق قررت - أيضا - أن أجعل شعاره السياسي «التورتة في خدمة الشعب»، مع الاعتذار لوزارة الداخلية المصرية التي عادت إلى شعارها القديم بعد الثورة: الشرطة في خدمة الشعب!

بانتظار قبول عضويتكم.