الأردن وسوريا.. المواجهة العسكرية مستبعدة لكن العمليات الإزعاجية واردة!!

TT

لم يتوقع الأردن إطلاقا أن يبادر نظام بشار الأسد إلى الرد على تصريحات الملك عبد الله الثاني إلى هيئة الإذاعة البريطانية الـ«B B C»، بالتصعيد على نحو ما جرى، وأن يُرسل مجموعات من «الأوباش» و«الزعران» لاحتلال السفارة الأردنية في دمشق، وإنزال علم الأردن من فوقها وإحراقه في احتفال همجي تخللته شتائم بذيئة ومخجلة، ورفع علم حزب الله مكانه.

ولم يتوقع الأردن، الذي بقي رسميا يتعامل مع أحداث سوريا وتطوراتها المتلاحقة بحذر شديد، والذي حرصا على هذا البلد العربي المجاور والمتداخل معه جغرافيا وديموغرافيا، نصح بشار الأسد منذ البدايات، وقبل أن تصل الأمور إلى ما وصلت إليه، بأن يتجنب العنف في التعامل مع شعبه، أن توعز المخابرات السورية لـ«أزلامها» في لبنان بأن يشنوا حملة إعلامية عبر فضائيات «الممانعة»!! وصحفها على المملكة الأردنية الهاشمية، وأن يهدد حزب الله الأردنيين بأن لديه خلايا نائمة في بلادهم، وأن هذه الخلايا سوف تستيقظ في اللحظة المناسبة.

كان الأردن يتوقع أن يتفهم بشار الأسد أن العاهل الأردني قد أدلى بالتصريحات التي أدلى بها لهيئة الإذاعة البريطانية الـ«B B C»، لأنه أدرك أبعاد ما يجري، ولأنه لديه معلومات مؤكدة بأن الأخطار التي تهدد سوريا هي حقيقية وفعلية، وأن التدويل قادم لا محالة، وأنه قد يصل إلى استخدام القوة العسكرية، إن لم يستجب الرئيس السوري لرغبة شعبه ويتنحى عن مواقع المسؤولية بعدما يتأكد من أن النظام الذي سيخلف نظامه سيستجيب لكل هذه الدعوات الإصلاحية ويأخذ البلاد إلى مرحلة استقرار غير المرحلة الحالية.

وحقيقة أن الأردنيين حتى قبل أن يرد النظام السوري على تصريحات العاهل الأردني هذه الآنفة الذكر بالمبادرة إلى إرسال «شبيحته»، حيث هناك معلومات تشير إلى أن بعضهم من مقاتلي حزب الله اللبناني، قد شعروا أن ما قاله بشار الأسد وكرره مرارا بأنه سيزلزل المنطقة وسيشعلها بالحرائق إذا تعرض نظامه لأي أخطار فعلية، كان موجها إليهم وإلى بلادهم، وأن المقصود بهذه التهديدات ليس إسرائيل، التي قال رامي مخلوف إن أمنها من أمن سوريا، وبالطبع ليس تركيا التي تعتبر دولة عظمى بالنسبة لدول الشرق الأوسط، وإنما الأردن بالدرجة الأولى ولبنان في الدرجة الثانية، وبعض دول الخليج العربية التي يعتبرها مجالا حيويا لعمليات فيلق القدس الإيراني الأمنية.

والسؤال الذي من المفترض أنه تبادر إلى أذهان كل من سمع هذه التهديدات، وبخاصة الأشقاء العرب، هو: على ماذا يعتمد بشار الأسد ليطلق كل هذه التهديدات التي أطلقها ضد الأردن.. هل على صواريخه المكدسة في مستودعاتها ولم يلجأ إلى استخدامها حتى عندما دمر الإسرائيليون منشآت سوريا النووية، وحتى عندما خرقت الطائرات الإسرائيلية حاجز الصوت فوق قصره في القرداحة، أم على حزب الله، أم على الصواريخ الإيرانية، أم على فرع حزبه في الأردن، أم على بعض الفصائل الفلسطينية التي يقيم قادتها في دمشق، والتي أنشئت أساسا لتكون بنادق وكواتم صوت للإيجار وبقيت المخابرات السورية تحتفظ بها لهذه الغاية ومن أجل هذه المهمة..؟!.

وهنا فإنه لا بد من الإشارة إلى أن القوات السورية قد دخلت الأراضي الأردنية ثلاث مرات على مدى كل هذا التاريخ الطويل؛ المرة الأولى في عام 1956 حيث كان الهدف الذي لم يتم ولم يتحقق الالتحاق بالمعركة القومية خلال العدوان الثلاثي على مصر وقناة السويس، والمرة الثانية، وكان يومها حافظ الأسد هو وزير الدفاع، خلال أحداث سبتمبر (أيلول) عام 1970، والثالثة خلال حرب يونيو (حزيران) عام 1967، وكان السبب هو ضرورة تعزيز الجبهة الأردنية خوفا من أن يقوم الجيش الإسرائيلي بحركة التفافية ليصل إلى السويداء وجبل العرب ويستكمل تطويق دمشق من الجهة الشرقية، أما بالنسبة للأردن، فإن قواته لم تدخل الأراضي السورية إلا مرة واحدة كانت خلال حرب أكتوبر (تشرين الأول) عام 1973 حيث أرسل الملك حسين، رحمه الله، أهم ألوية الجيش العربي (الأردني) إلى خطوط القتال على جبهة الجولان ليحمي ميسرة الجيش السوري وليدافع عن العاصمة السورية التي كانت تستهدفها القوات الإسرائيلية الغازية.

إنه غير متوقع على الإطلاق أن تصل الأمور، ومهما حصل، إلى حد الصدام العسكري بين بلدين شقيقين متجاورين، إذ إن ما هو مؤكد أن الجيش السوري الذي أصبح مستنزفا بعد أن دفع لمطاردة أبناء شعبه في كل المدن والقرى السورية على مدى الثمانية شهور الماضية، لن يقبل بأن يدخل حربا مع دولة مجاورة شقيقة، ومن دون أي سبب وأي مبرر، ثم، وهذه حقيقة تعرفها الدوائر العسكرية في كل الدول المعنية، إن الجيش العربي (الأردني) يحتل المرتبة التاسعة عشرة من بين جيوش العالم، فهو جيش محترف، معنوياته عالية، ومعظم قواته محمولة، ومن هنا فإن الإشارة إلى هذه الحقائق التي يعرفها الأشقاء السوريون أيضا يجب ألا تفهم على أن المقصود هو عرض العضلات أو التحرش العسكري، فسوريا هي الشقيقة الأقرب، وجيشها هو جيش عربي لا نتمنى أن يدفعه نظامه إلى أي امتحان مع أي جيش شقيق.

لكن وفي حين أن أي مواجهة عسكرية مستبعدة، حتى وإن أرادها بعض أصحاب الرؤوس الحامية من المسؤولين في نظام الرئيس بشار، فإن ما هو غير مستبعد أن يلجأ هذا النظام إلى دفع بعض الفصائل الفلسطينية، التي هي بنادق للإيجار أصلا والتي لا علاقة لها بالعمل الوطني الفلسطيني، وحركة المقاومة الفلسطينية (حماس) ليس من بينها بالتأكيد، وأيضا دفع حزب الله إلى القيام ببعض العمليات الإرباكية والإزعاجية في الأردن إذا تطورت الأمور في سوريا لتصل إلى ما هو متوقع، وإذا استجاب الأردنيون لأي قرار عربي جماعي مُساند لأي جهد دولي لإنقاذ الشعب السوري مما يتعرض له من مذابح يومية، وبخاصة لجهة إنشاء مناطق محمية جوا وأرضا لاستيعاب الفارين السوريين على الحدود الأردنية - السورية، وعلى الحدود السورية - التركية.

إن هذا هو مجرد افتراض، ولكنه افتراض من الممكن أن يتحول إلى حقيقة إذا اتخذت الأمور في سوريا منحى التدويل وبقي النظام يركب رأسه على هذا النحو وإذا تطورت الأوضاع وأصبح لا بد من إنشاء مثل هذه المناطق المحمية، وحقيقة فإنه غير مستبعد أن يلجأ بشار الأسد إلى كل ما هو غير معقول وغير متوقع إذا أحس بأنه لم يعد أمامه إلا الانتحار، و«علي وعلى أعدائي»، ومن بين هذا الغير معقول وغير متوقع هو دفع فصائل بنادق للإيجار التي هي فلسطينية بالاسم ومن قبيل التمويه فقط، ودفع حزب الله أيضا إلى استهداف الأردن ببعض العمليات الإرباكية والتشويشية.

إنه غير متوقع أن يقبل فرع حزب البعث السوري في الأردن بمثل هذه المهمة وهو ليس لديه القدرة أساسا للقيام بمهمات كهذه حتى وإن توفرت لبعض أعضائه مثل هذه الرغبة، وهذا ينطبق على الأحزاب الأخرى التي تقول إنها قومية ويسارية والتي تبدي تعاطفا معلنا مع نظام بشار الأسد، والتي كلها من دون استثناء مجرد تشكيلات متواضعة عُدة وعددا، لكن ما هو متوقع فعلا هو ما تمت الإشارة إليه آنفا، وهو دفع بعض الفصائل الفلسطينية المقيمة في دمشق، وليس من بينها حركة حماس، ودفع حزب الله إلى القيام ببعض العمليات الإرهابية الإزعاجية، خاصة أن هناك معلومات عن محاولات لاختراق الحدود الأردنية من الجهة السورية ببعض المتسللين من هذه التنظيمات المشار إليها وببعض المتفجرات والأسلحة الفردية المزودة بكواتم صوتية.