هل إلى خلاص من سبيل؟

TT

ما يجري في مصر وما يجري في كثير من أجزاء العالم العربي يبعث على القلق والحيرة، بل أقول، والاكتئاب أحيانا. ومما يزيد من القلق والحيرة أن الأمور في كثير من الأحيان تجري بغير منطق وحيث لا منطق لا يمكن التوقع، ذلك أن الحديث عن التوقعات المستقبلية تبنى على معطيات الواقع ومنطقه. والواقع العربي في كثير من جوانبه أشبه بمسرح العبث أو مسرح اللامعقول تجري الأمور فيه على غير هدى ولا كتاب مبين. يستوي في ذلك بعض أنظمة الحكم وبعض الحركات والمنظمات والأحزاب الجماهيرية.

وما يجري هذه الأيام في مصر لا يسر حبيبا ويرضي كل الشامتين والأعداء. وما يجري في مصر يؤثر على سائر أرجاء العالم العربي - خاصة المشرق العربي - تأثيرا كبيرا سواء بالسلب أو الإيجاب.

الذي يجري في مصر حاليا، ما هو التوصيف الأقرب للصواب لما نشاهده في الحياة في مصر من كل جوانبها الأمنية والاقتصادية وفي الجملة من الناحية السياسية باعتبارها تجمع الجوانب الأخرى.

في 25 يناير (كانون الثاني) - بداية هذا العام - والأيام التالية له بدأت في مصر ثورة كانت رائعة ولكنها - للأسف - لم تكتمل وتعثرت خطواتها إلى المدى الذي جعل كثيرا من البسطاء الذين ساءت أحوالهم الأمنية والاقتصادية يتمنون لو أنها لم تحدث.

طبعا أنا أعذر هؤلاء ولكني لا أشاركهم الرأي فما حدث في 25 يناير سيكون له ما بعده وإن في المدى الطويل نسبيا.

نعود إلى توصيف الواقع المصري وما يثيره من قلق وحيرة في مصر وفي محيطها العربي وبعد ذلك نتساءل هل إلى الخلاص من هذا الذي نحن فيه من سبيل واضح؟

بداية عند توصيف الواقع أنا ضد منطق المؤامرة أو سوء النية بصفة عامة، ولكن كما كان العرب يقولون يبدو أن سوء الظن يكون أحيانا «إحدى الفطن» كما كان يقال قديما.

كذلك فإنه من الذي يقال أيضا - وقد يكون صحيحا أحيانا - أن الطريق إلى جهنم مفروش أحيانا بالنوايا الحسنة.

الشارع المصري الآن فيه تيار شديد التنظيم وإلى جواره مجموعات كثيرة متناثرة وليست كل هذه المجموعات في ولائها للوطن سواء.

والتيار المنظم هو التيار الإسلامي المتمثل في «الإخوان المسلمين» وجناحهم السياسي «حزب الحرية والعدالة» الذي استطاع الأسبوع الماضي أن يحشد في ميدان التحرير حشدا جماهيريا ضخما بلغ قرابة النصف مليون. وانتهى ذلك اليوم دون أحداث دامية ودون فوضى نتيجة التنظيم الشديد الذي يحكم أصحابه. وهذا شيء إيجابي يحسب لهم من غير شك.

ولكن ما هي الرسالة التي كانت مقصودة من وراء الحشد وماذا تحقق من هذه الرسالة.

كان مقصودا في الأساس إظهار القوة لكي تشعر بها الجهات الرسمية متمثلة في المجلس الأعلى للقوات المسلحة وفي مجلس الوزراء. كذلك أيضا كان أحد المطالب الأساسية إسقاط ما عرف بوثيقة السلمي. بل إن أحد كبار المحسوبين على التيار الديني وصف الوثيقة بأنها «ساقطة».

يبدو أن الرسالة في هذا الجانب قد آتت أكلها.

وقد أعلنت منذ البداية أنني ضد المادتين التاسعة والعاشرة بوضعهما اللذين كانتا به ولكني انزعجت انزعاجا شديدا عندما علمت أن علي السلمي وافق على حذف وصف «الدولة المدنية» من الوثيقة وأرجو أن يكون ذلك غير صحيح.

ما الذي يعنيه وصف الدولة المدنية وما الذي يخيف فيه؟

الدولة الحديثة ذات المؤسسات هي بالضرورة دولة مدنية ولا يمكن أن تكون إلا دولة مدنية. الدولة المدنية هي الدولة التي يحكمها مواطنوها بغير تفرقة بين مواطن ومواطن لأي سبب من الأسباب. الدولة المدنية هي دولة ديمقراطية ترفض الاستبداد العسكري سنين طويلة ولم تعرف والحمد لله حتى الآن الاستبداد الديني الذي هو بعيد عن جوهر الدين الإسلامي وعن جوهر الدين المسيحي.

لقد عرفت المجتمعات الأوروبية في العصور الوسطى الاستبداد الديني الذي أنهاه عصر النهضة والثورة الفرنسية والتطور الدستوري في بريطانيا.

أما بالنسبة للإسلام، وحتى الآن في كل العالم الإسلامي، فلم نعرف استبدادا منسوبا للإسلام، وإن كنا عرفنا أنواعا أخرى كثيرة من الاستبداد. لهذا كله كان انزعاجي عندما رفع وصف الدولة المدنية من وثيقة السلمي. قد تكون الوثيقة كلها جاءت في اضطراب دستوري تحدثت عنه من قبل نتيجة عدم البدء بوضع الدستور، ولكن دلالة الاعتراض على وصف الدولة المدنية والاستجابة له هو دلالة خطيرة.

ولكن هل كل الطرق أصبحت مسدودة أمام الخلاص من اضطراب أمني وتدهور اقتصادي ينذر بخطر عميق.

لا أظن ذلك.

إن إنقاذ مصر مما هي فيه أمر ممكن.

والبداية هي أن نعي أننا جميعا في مركب واحد وأنه إذا غرق فسنغرق معه جميعا، ومن هنا فلا بد أن يكون تفكيرنا كله متجها نحو مصر ومصلحة مصر وليس وفقا لأجندات حزبية. من حق الأحزاب أن تبحث عن مصلحتها، ولكن من حق مصر أيضا أن تكون قبل الجميع.

أرجو أن نعي جميعا ذلك.

وللحديث بقية.