فتح وحماس.. صراع المأزومين ووفاقهم

TT

في ذلك الفندق الفاخر.. الذي شهدت غرفه المغلقة.. وقاعاته المفتوحة آلاف ساعات الحوار بين ممثلي فتح وحماس.

في ذلك الفندق، الواقع في مدينة نصر في القاهرة، ضمني لقاء مع الصديق موسى أبو مرزوق وعدد من أعضاء المكتب السياسي لحركة حماس، كان ذلك قبل عدة شهور من الآن، ولم تكن لي أي صفة رسمية.

وفي وضع كهذا.. يكون الحوار بلا قيود، أي إنه نوع من التفكير بصوت مرتفع.

كنت أعرف أنهم يعرفون أنني لست محايدا ولا طرفا ثالثا بين حماس وفتح، فمهما اشتد الخلاف بيني وبين القيادة الرسمية لفتح ومنظمة التحرير، فإن ذلك لن يغير موقفي من حماس وطريقتها في التفكير وسلوكها.

استمع إلي الإخوة باهتمام واحترام، واستمعت إليهم بما يليق بحوار بين طرفين مختلفين يسعيان إلى تفاهم واتفاق، كان الموقف من الانتخابات والحكومة أحد المواضيع التي استأثرت بالجزء الأكبر من الحوار الممتد، فلقد لمتهم على موقفهم، وأوردت قراءتي على النحو التالي «لقد وقعتم على التزام بإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية، وتم تحديد موعد هو شهر مايو (أيار).. فإذا كانت موافقتكم على الانتخابات جدية ونهائية فبوسعكم تجاهل عقدة الحكومة، وإذا كان فياض مثلا في وارد التنافس على الرئاسة أو غيرها فسوف يبادر منطقيا إلى الاستقالة، نظرا لحرصه على ألا يتهم بتعارض المصالح بين الموقع والمرشح..أما إذا كان في غير وارد الترشح لأي منصب.. فإنه سيغادر من تلقاء نفسه، حيث سيحل الناجحون محله في القرار والموقع ويتسلمون البلد كله وليس مجرد موقع واحد..».

كانت حجتي.. تتركز حول ضرورة تفادي الإرباك الذي سينجم حتما في فترة اختبار رئيس الوزراء البديل، وهي فترة لا يستطيع أحد ضمان مسارها وحتى زمنها.

ونظرا للوضع الهش للسلطة على الصعيد المالي وحتى الأمني، فبالإمكان الإسراع في قطف ثمار الانتخابات بفعل التفاهم، وتفادي الخضات بفعل التغاضي المؤقت.

كان ردهم على هذه النقطة ينطوي على تفهم ظاهري ورفض عميق.. التفهم سببه المجاملة وإظهار الرغبة في الانفتاح والاستعداد لسماع أي رأي مهما بدا مختلفا أو حتى مناقضا لرأيهم، أما الرفض العميق فسببه عدم التضحية بموقع رئاسة الحكومة وعدد من الوزارات الرئيسية، بما يوفره ذلك من مزايا تحرص أي حركة سياسية على توفيرها في مرحلة الاستعداد للانتخابات وجمع الأوراق لكسبها..

وتحدثنا في أمور كثيرة وتبادلنا الأفكار والطرائف، وضحكنا كثيرا على سؤال طرحته على موسى أبو مرزوق.. «ألم تسأم يا صديقي من تبادل القبلات مع عزام الأحمد منذ لقاء اليمن وإلى ما لا نهاية».

مرت الشهور والأيام الحافلة بالاجتماعات والقبلات، وكنا نتابع بشغف أنباء التقدم في بعض الأمور، والحوار على الأمور الأخرى، وكنا كذلك نتعاطف مع الشعار الفلسطيني المفضل الذي رفع في الصالونات والساحات وحتى أوساط القيادات «الشعب يريد إنهاء الانقسام».

وإذا كانت فرص الحوار مع قادة حماس ضئيلة بحكم اقتصارها على الرسميين من كلا الجانبين، فإن الحوار داخل فتح وحولها لا يتوقف ولا يهدأ، وغالبا، وهذه سمة فتح، لا يصل إلى نتيجة.

الجميع في فتح يشكو من تراجع نفوذ الحركة وتأثيرها، ليس في غزة حيث السيطرة الأحادية لحماس، وإنما في الضفة المسماة مجازا بمنطقة نفوذ فتح، في الضفة تسمع من فتح تحسرا على الماضي زمن الأسماء الكبيرة والأفعال المبهرة، وتحسرا على الحاضر حيث تواضع الإنجاز وتعاظم المآزق، وحتى على مستوى الاحتفالات التي كانت فتح تنظمها في حر الصيف وجليد الشتاء وتكون مليونية حين يتصل الأمر بمناسبة مجيدة، حتى على هذا المستوى يبدو الشكل متواضعا والإيقاع خافتا، حتى في القاعات المغلقة تلاحظ صعوبة في ملء المقاعد وصعوبة أكبر في سرد الإنجازات!!

صديقي الفتحاوي.. عدلي صادق قال كلاما صريحا في هذه الظاهرة، أما صديقي محمد الحوراني، الرجل المصاب بمرض مزمن اسمه «فتح»، فقد أظهر مخاوف صريحة على المستقبل «لو ظل الوضع على حاله»، ومخاوفه تتصل بجزئية إلا أنها كلية الدلالة، وهي الانتخابات المحلية، حيث اضطرت فتح إلى تأجيلها مرات عديدة بسبب حتمية فشلها والسبب هو ذات السبب، الصراع الداخلي في فتح الذي أسقطها في الانتخابات التشريعية السابقة وكذلك المحلية، ويهددها بالسقوط في أي انتخابات مقبلة.

وحين يخاف كثيرون في فتح: «لو ظل الوضع على حاله»، فهم يعلمون جيدا أنه سيظل ويعلمون أكثر أنه حتى لو بدأ القادة ورشات العمل في الليل والنهار، فإن شهورا لن تقوم أخطاء وخطايا عقود، كما أنهم يعلمون أن الناس إن تفهموا تأجيل الانتخابات مثنى وثلاث ورباع وهم يعرفون سبب التأجيل، فلن يكون بوسعهم التعاطف مرة خامسة، خصوصا وهم يرون كيف ينخر السوس في المؤسسات غير المنتخبة، وعليهم أن ينتظروا ورغما عنهم إلى حين وقوع معجزة وتضمن فتح أو حماس مسبقا النجاح في الانتخابات!!

عودة إلى حماس التي يملؤها الاعتقاد بأنها في أفضل حالاتها وأنها أكثر جاهزية لالتقاط الثمار المتساقطة عن شجرة فتح. إن حماس ليست في واقع الأمر بأفضل حالا، بل إنها في ذات الوضع إذا ما نظر للأمور من زاوية الوضع الفلسطيني وليس ما يحيط به من تقدم غير محسوم لنظراء حماس في الساحات العربية. الواقع الفلسطيني يقول بأبلغ اللغات وأكثرها وضوحا «إن حماس ومعها قطاع غزة تعاني حصارا يجري الحديث عن رفعه دون أن يرفع»، وتعاني كذلك تراجع المصداقية العملية لشعار المقاومة لمصلحة مهادنة يفرضها ميزان القوى العسكري على الأرض.

وتعاني كذلك استحالة توحيد الوطن على طريقتها وبمنطقها، فأين التميز الإيجابي إذن؟ إن صفقة شاليط على أهميتها ورونقها وبريقها لا تكفي للدلالة على أن ميزان القوى قد تغير وأن إمكانية توحيد الوطن وفق منطق حماس قد أصبحت قاب قوسين أو أدنى، حتى نظراء حماس في تونس ومصر وأي مكان آخر أدركوا وقبل الوصول إلى سدة الحكم أن لا أمل لديهم في احتكار السلطة أو فرض منطقهم الأحادي، مما اضطرهم إلى الائتلاف مع القوى الأخرى، والله وحده أعلم هل سينجحون أم يتعثرون.

إذن، لتتوقف حماس عن هز شجرة فتح لالتقاط الثمار المتساقطة ولتفكر بشراكة وطنية وفق آليات ديمقراطية دون أن نتوقف عن الهمس في أذن فتح أو الصراخ «بأن بقاء الحال على هذا المنوال لن ينفع أحدا، لأن من هو أكثر جاهزية لالتقاط أخطاء الطرفين وصراعهما هو إسرائيل ولا أحد غيرها».