إيران.. دعوة للتعايش!

TT

تعيش منطقة الخليج العربي واقعا مشحونا، تذكيه من فترة إلى أخرى تصريحات بعض المسؤولين الإيرانيين، الطافحة بالعدوانية. المسألة تتجاوز الحالة التصعيدية للأجهزة الإعلامية المحسوبة على جهة أو أخرى، وإنما عبارات لا تنقصها الصراحة ولا الوضوح، نطقت بها شفاه كبار المسؤولين الإيرانيين - وما تخفي صدورهم أكبر - ومنهم رئيس أركان الجيش الإيراني فيروز أبادي، الذي يعد من أبرز رموز النظام عندما صرح أثناء حضوره لإحدى المناورات العسكرية بأن الخليج العربي «ملك لإيران». وآخرها تصريحات عضو اللجنة البرلمانية لشؤون الأمن القومي والسياسة الخارجية الإيرانية محمد كريم عبادي عندما قال: «إن بإمكان إيران أن تحتل السعودية بكل يسر لو أرادت ذلك» فليست إذن زلة لسان، كما روج البعض. إنها قناعات راسخة، ورغبات جامحة تدور في العقل السياسي التوسعي لصناع القرار في طهران. وأكبر دليل على ذلك استمرار النظام الإيراني في احتلاله للجزر الإماراتية الثلاث! ألا يدفعنا ذلك إلى أن نتساءل: ماذا لو امتلك النظام الإيراني سلاحا نوويا؟ ماذا ستكون عليه المنطقة؟

لن يتردد النظام الإيراني في إرضاء طموحه التوسعي، وإشباع شهوته الاستعمارية، إذا ما حانت ساعة الصفر التي يرسم لها، ويرتقبها بفارغ الصبر، ولا بد له من التمهيد لتلك الساعة المرتقبة، ولو ترتب على ذلك إشعال المنطقة برمتها، وإدخالها دوامة من العنف والتدمير، ويمكن لنا من خلال هذا السياق أن نتفهم طبيعة الخلية البحرينية التي تم اعتقالها مؤخرا، حيث كانت تخطط لتفجير منشآت مدنية حيوية، كجسر الملك فهد الذي يربط السعودية بالبحرين ونحوه، وكذلك لا تخرج عن ذات السياق، محاولة اغتيال السفير السعودي في واشنطن، وغيرها من أعمال إرهابية سابقة تم إحباطها أو تنفيذها كاغتيال الدبلوماسي السعودي في باكستان، حيث ثبت تورط الحرس الثوري الإيراني فيها جميعا. إضافة إلى دعم حالات الفوضى في البحرين واليمن وغيرهما. والشواهد على ذلك كثيرة لا تحصى ولا تخفى.

لذلك، فعلى دول الخليج العربية أن تتعامل بجدية أكثر مع النظام الإيراني، وأن لا تكتفي بالشجب والتصريحات، متجاهلة نوايا النظام الإيراني التي تتكشف يوما بعد يوم، وتستهين بحلفائه الذين تمت إعادة برمجتهم عقديا وفكريا، قبل ارتباطهم سياسيا واقتصاديا. على دول الخليج العربية أن تضمن لأجيالها الحاضرة والقادمة، أنها لن تصبح رهينة لنظام على مرمى حجر منها، له طموحاته التوسعية في امتلاك المنطقة، ويمارس الإرهاب ويمتلك أسلحة دمار شامل. عليها أن تدعم وبقوة جهود المجتمع الدولي في مواجهة برنامج التسلح النووي الإيراني، وذلك بالطرق السلمية قدر الاستطاعة. وبوسع دول الخليج العربية أيضا أن تحشد العالم وراءها في مطالبة طهران بنبذ الإرهاب الدولي بكافة أشكاله. وهذا ما أكدته السعودية مؤخرا على لسان مندوبها الدائم لدى الأمم المتحدة ونشرته «الشرق الأوسط» بتاريخ 20 نوفمبر (تشرين الثاني) 2011 عندما قال أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة «جئت لأقول كفى.. يعني كفى إرهابا، كفى مؤامرات، كفى اغتيالات». بل والحصول منها على ضمانات دولية بذلك.

وعلى مستوى الحراك الشعبي، لا بد لدول وشعوب الخليج العربية من إيصال صوتها إلى الشعب الإيراني بكافة أطيافه واتجاهاته، ومحاولة تبيان تخوفاتها، مقرونة برغبتها الصادقة في التعايش معه، من أجل الاستقرار والنماء لشعوب المنطقة. سوف يتحقق الكثير، حينما يتفهم الشعب الإيراني أننا سنقف سويا أمام قوى العدوان والكراهية، أينما وجدت في منطقتنا. لكي لا تغتال الأمل في نفوسنا ونفوسهم، وتشحن مستقبلنا معا بالدمار الذي ينتظر أطفالنا وأطفالهم. علينا أن نقتلع الشك والشوك لنستطيع السير معا نحو الأمن والسلام، والتنمية والاستقرار. عندها سوف نرسم مع الشعب الإيراني مستقبل المنطقة المزدهر، الخالي من أسلحة الدمار الشامل وسبل العنف والإرهاب، على أسس واضحة من التعاون والتعايش المشترك، فهل من أمل؟