خلف قبلات «بينيتون»

TT

صور مركبة تظهر قبلات ساخنة بين زعماء العالم وقادة روحيين، والشعار ببساطة: «نبذ الكراهية».

لا عجب إذن مع حملة دعائية ومضمون من هذا النوع أن تستسلم «بينيتون» سريعا فتسحب الحملة الإعلانية وتعتذر عنها بعد سيل من الانتقادات على امتداد القارات الخمس والتهديد برفع دعاوى قضائية.

ورغم أن الحملة الإعلانية توقفت، فإن «بينيتون» حققت واحدا من أهم الانتصارات في تاريخ التسويق، الذي كان رمزه الصورة الأشهر في حملتها الترويجية الأخيرة وهي قبلة بين بابا الفاتيكان وشيخ الأزهر، ومن ثم دمغ الصورة المركبة بشعار «نبذ الكراهية».

صحيح أنه جرى سحب الصور من الطرقات، لكنها انتشرت على نطاق واسع إلكترونيا ليستمر الجدال حولها وحول الرسائل التي حملتها أو التي يعتبر المتلقي أنها تحملها. «بينيتون» قالت في تبرير حملتها إن الفكرة من وراء الإعلان هي الترويج للمحبة ونبذ الكراهية وينبغي عدم النظر إليها من منظار جنسي. لكن في الحقيقة يصعب النظر إليها من دون هذا المنظار.

طبعا لم تسلم مجتمعاتنا من حمّى هذه الصور، فبين الغضب من استعمال صورة شيخ الأزهر في الحملة، وحملات التركيب المحلية لصور قبلات بين زعماء طوائف وزعماء سياسيين بهدف التماهي والسخرية، ثارت ثائرة كثيرين ممن لم يروا في الحملة سوى تطاولا على رموز ومقدسات، إلى حد تهديد من ينشر تلك الصور على صفحاته الخاصة في مواقع التواصل الاجتماعي.

ما أحدثته إعلانات «نبذ الكراهية» هو على الأرجح أمر لا علاقة له بالابتكار في الإعلان للوصول إلى المستهلك، بل هو في كيفية تحول السلع والماركات التجارية إلى جزء من ثقافة شعبية فيجري تقديمها بصفتها ليست سلعة خالصة؛ بل هي فكرة، فتذوب السلعة في معنى أعمق من المنتج نفسه فنصبح ونحن نرتدي سترات «بينيتون» نشعر بأننا نتماهى في حب جميع بني البشر على اختلاف أعراقهم وألوانهم.

صحيح أن الإعلان والفكرة بالمطلق هما أداتان للتسويق، وأن من يصمم الإعلانات وينفذه هم أشخاص يعملون لقاء أجر، لكن في عملهم الدعائي والإعلاني نجد جرعات من الفن. وهذا النوع من الفن (أي الذي يزاوج السلعة بالسياسة) أسس لنقاش يتركز حول سؤال: هل ينبغي في عالم التسويق التأسيس لحوار مع المستهلكين في قضايا تتجاوز قيمة المنتج نفسه؟ وفي حالة «بينيتون»: هل تنجح قبلة بين باراك أوباما وهو جينتاو في خلق حوار أممي وتفتح الباب أمام تقبل الآخر؟

الأرجح أن تمرير نقاشات من هذا النوع عبر رسائل إعلانية على شاكلة ما حملته ملصقات «بينيتون» أمر عسير في الغرب، وحتما لا يزال مستحيلا في بلادنا العربية والإسلامية.

لكن فيما نحن نناقش الأفكار والقيم التي استفزها إعلان «بينيتون»، الأرجح أن الإعلانات قد صنعت العجائب في الترويج لسترات وسراويل «بينيتون»، فهي حصلت على دعاية لم تكن لتحلم بها من خلال الأساليب التقليدية للإعلان.

لكن مع أو من دون سترات «بينيتون» فما الضير في «نبذ الكراهية»؟

diana@ asharqalawsat.com