انتخابات مصر المشؤومة

TT

تتجه مصر، التي تعد أكبر وأهم دولة أطاحت بحكومتها خلال الربيع العربي، نحو انتخابات برلمانية مشؤومة في الثامن والعشرين من شهر نوفمبر (تشرين الثاني) والتي قد تؤدي إلى اندلاع حرب أهلية في البلاد.

ومع عودة المتظاهرين إلى ميدان التحرير وانتشار العنف في كافة أنحاء القاهرة مرة أخرى، باتت شرعية المجلس العسكري الحاكم أكثر هشاشة. وكان من الممكن أن يؤدي الإعلان عن تشكيل حكومة إنقاذ وطني يوم الثلاثاء إلى تراجع العنف في الوقت الراهن، لكن الانتخابات القادمة لن تؤدي إلى ديمقراطية مستقرة.

ومن المرجح أن تفشل الانتخابات، لا عبر عمليات التزوير أو العنف، ولكن بسبب القواعد التي وضعها قادة المجلس العسكري في مصر والتي تضمن تقريبا ألا يعكس البرلمان المنتخب أصوات الشعب المصري.

وبينما كنت أتناقش مع منظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية بشأن قضايا الانتخابات في وقت سابق من العام الحالي، وجدت أنه قد تم إخماد أصوات المصريين الذين كانوا في طليعة الثورة خلال عملية التخطيط للانتخابات والتي تمت بسرية تامة.

ففي مناسبات لا حصر لها، ذهبت الأحزاب السياسية للمجلس العسكري الحاكم للاعتراض على مسودة قانون الانتخابات ثم قام المجلس العسكري بعمل تغييرات تدريجية. ولم تحصل المنظمات المدنية المعنية بتمثيل المرأة والأقليات في البرلمان بمقعد واحد على طاولة المناقشات، كما لم يتم السماح للأمم المتحدة، التي لعبت دورا رئيسيا في مساعدة تونس في انتخاباتها، بالمراقبة على الانتخابات.

وستكون نتيجة ذلك انتخابات تمثل الكثير من الأحزاب الكبرى فيما توصد الباب أمام الأحزاب الصغيرة وتهمش الأقباط والتقدميين وستجعل ملايين المصريين يصوتون لخاسرين من خلال عملية معقدة للغاية تجمع ما بين التمثيل النسبي وأحزاب الأغلبية ونظام الكوتا البالي. سيتم اختيار ثلث مقاعد المجلس، الذي يبلغ عددها 498 مقعدا، من دوائر انتخابية يجب أن يحصد الفائزون فيها أغلبية الأصوات (من خلال انتخابات الإعادة إذا ما لزم الأمر). في هذه الدوائر، ستعطي شهرة المرشح الأشخاص النافذين - رجال أقوياء كانوا يحظون بنفوذ كبير قبل اندلاع الثورة - اليد العليا على منافسيهم. وحتى لو لم يكن معظم المرشحين المنتخبين موالين للنظام القديم أو «فلول» كما يطلق عليهم المصريون، فقد كان العديد منهم تروسا في الآلة الفاسدة التي حكمت مصر على مدار عقود.

وسيتم التنافس على ثلثي المقاعد في مناطق التمثيل النسبي، حيث يختار الناخبون بين مرشحي الأحزاب ويفوز كل حزب بعدد مقاعد يتناسب مع نسبته من الأصوات.

وعلى النقيض من تونس، التي استخدمت بنجاح نظام التمثيل النسبي العام لضم العديد من أصوات الناخبين في المجلس التأسيسي للبلاد، من المحتمل أن يقوم النظام المصري متعدد الطبقات بتهميش الجماعات التقدمية والعلمانية والليبرالية الجديدة التي تفتقر إلى قاعدة شعبية داخل البلاد.

إن تهميش الأحزاب الإسلامية والعلمانية سوف يؤثر على إيمان المواطن بالعملية الديمقراطية، كما أن إقصاء الأقلية المسيحية من وجود تمثيل كبير لها في البرلمان سوف يتسبب في حدوث كارثة.

ومن غير المحتمل أن يقوم الأقباط بالتصويت للأحزاب الإسلامية، فبعد الصدامات العنيفة التي شهدتها شوارع القاهرة في شهر أكتوبر (تشرين الأول) بين المتظاهرين المسيحيين والجيش، فَقد الأقباط إيمانهم في الأحزاب الليبرالية القديمة مثل حزب الوفد، واندمجوا بدلا عن ذلك في أحزاب أخرى صغيرة مثل حزب العدالة وحزب المصريين الأحرار. ولكن تلك الجماعات لا تتعدى نسبة الخمسة في المائة، وهي نسبة غير كافية للفوز بأكثر من بضعة مقاعد. وإذا ما تم إقصاء الأقباط من البرلمان، فمن المحتمل أن يكونوا غائبين عن اللجنة التي ستقوم بتشكيل الدستور المصري الجديد.

وبالإضافة إلى ذلك، أبقى المجلس العسكري على نظام الكوتا الذي عفا عليه الزمن، حيث حجز أكثر من نصف البرلمان الجديد للعمال والفلاحين، وهي قاعدة كانت تستخدم للتأثير على نتائج الانتخابات في مصر منذ عهد جمال عبد الناصر.

عمليا، فإن هذا يعني أن الأحزاب التقدمية الجديدة التي ستكون محظوظة إذا ما فازت بعدد قليل من المقاعد، لن تكون قادرة على ملء تلك المقاعد بالقادة الشباب الذين نظموا مظاهرات ميدان التحرير في شهر فبراير (شباط). وبدلا عن ذلك، سوف يتنحى العديد من مؤسسي تلك الأحزاب جانبا حتى يتمكن العمال أو الفلاحون من الدخول إلى البرلمان.

وقد تسبب الخوف من الهزيمة الانتخابية في محاولة الليبراليين المتعاطفين مع المجلس العسكري الهيمنة على عملية صياغة الدستور. وهم يخشون للغاية من سيطرة الإخوان المسلمين لدرجة أنهم يفضلون أن يسيطر علمانيون أقوياء بدلا من الإسلاميين المنتخبين بصورة ديمقراطية.

وقد تكون رغبة الجيش في برلمان جديد ضعيف حقيقية بالفعل. لكن عندما يلجأ الليبراليون لدعم أدوات الطغاة، يكون المستقبل مظلما. إن ما تحتاجه مصر بشدة هو انتخابات وبرلمان منتخب يُشهد له بالنزاهة والشمولية، لكن مع وجود القواعد التي وضعها المجلس العسكري، تكون فرصة حدوث ذلك ضئيلة للغاية.

وإذا لم يتم سماع أصوات الناخبين في أول انتخابات بعد الثورة، فستكون هناك تداعيات شديدة للأزمة التي سيتسبب فيها فشل الديمقراطية في مصر وستتعدى تلك التداعيات العالم العربي.

* أستاذ مساعد في العلوم السياسية بجامعة نورث كارولينا،

في تشابيل هيل.

* خدمة «نيويورك تايمز»