يجب أن ينتهي الحكم العسكري في مصر

TT

قبل أيام من حلول موعد الانتخابات البرلمانية التي سيدلي فيها المصريون بأصواتهم لأول مرة منذ سقوط حسني مبارك، خرج آلاف المتظاهرين من مختلف التيارات السياسية، من العلماني إلى الإسلامي، إلى الشوارع من أجل الضغط على المجلس العسكري لترك السلطة.

في يوم الثلاثاء، استقال رئيس الوزراء ووزارته، وتعهد المجلس العسكري بنقل السلطة إلى حكومة مدنية بحلول 1 يوليو (تموز) 2012، وهو موعد يأتي متقدما بعام عن الموعد المتوقع. وقال رئيس المجلس الأعلى، المشير محمد حسين طنطاوي، أيضا إن المجلس العسكري على استعداد للتخلي عن السلطة، إذا ما ألزمته نتيجة استفتاء شعبي بذلك.

غير أن المجلس استهان بمقدرة الشعب المصري على تطبيق إصلاحات ديمقراطية.

إن الانتفاضة التي أطاحت بالرئيس حسني مبارك في فبراير (شباط) لم تسفر عن تحول حقيقي إلى الديمقراطية، بل حرمت فقط المجلس العسكري من المظهر المدني الذي وظف من خلاله سلطاته ببراعة على مدى نحو ستة عقود.

ومنذ توليه السلطة، اتخذ المجلس الأعلى كل قراراته المهمة في سرية، من دون استشارة الجماعات والأحزاب السياسية.

لقد قام المجلس بقمع جماعات سياسية يبغضها - من بينها حركة 6 أبريل، إحدى القوى الأساسية المحركة لثورة يناير. وقد ألقى أيضا القبض على الناشط السياسي والمدون علاء عبد الفتاح. كما وظف وسائل الإعلام الحكومية بالأسلوب نفسه الذي انتهجه مبارك، ممليا الموضوعات التي يجب أن تغطيها المحطات التلفزيونية والصحف، والمواد التي يجب أن تعرضها، وأحيانا ما ساهم في إعلاء شأن الإخوان المسلمين.

وعلى الرغم من أن المجلس العسكري قد تفاخر بعدم إطلاقه النار على المصريين أثناء الثورة وتظاهر بقبوله عملية التحول السياسي في مصر، يظل بالأساس هو النظام العسكري نفسه الذي قد حكم البلاد منذ انقلاب 1952 الذي أطاح بالملك فاروق.

معظم المصريين تحت سن الثلاثين، وبالنسبة لهم، مبارك والنظام مترادفان. وتقوم المدارس المصرية بتدريس نسخة منقحة من مادة التاريخ، يتم فيها تبجيل ثورة 1952 وقائدها جمال عبد الناصر وتشويه صورة العمليات الديمقراطية التي جرت قبل فترة حكمه. أدرك قليل من الشباب المصريين أن الجيش - المؤسسة التي تعلي من شأنها المقررات الدراسية ووسائل الإعلام الحكومية - لم يف بوعده بتسليم السلطة للمدنيين.

قاد عبد الناصر انقلابا، وانتقى أنور السادات ليكون خليفة له. وبدوره، اختار السادات مبارك ليخلفه في الحكم. بدأ عبد الناصر حكمه كقائد مؤيد للغرب، ثم عاد لتأييد السوفيات والاشتراكية. أما السادات، فقد بدأ بتأييد الاتحاد السوفياتي، ثم تحول إلى تأييد الأميركيين وسن بعض الإصلاحات المعتمدة على سياسة السوق الحرة. حارب عبد الناصر إسرائيل، في حين أبرم السادات معاهدة سلام معها، والتي أبقى عليها مبارك.

لكن لم تؤثر أي من تلك السياسات على الطريقة التي خضع من خلالها المصريون للحكم. غير النظام حلفاءه الخارجيين وآيديولوجياته بما يتناسب مع العصر، لكن الجيش دائما ما بقي في السلطة.

ومنذ سقوط مبارك، اعتمد المجلس العسكري على استراتيجيات البقاء نفسها. فقد رفض مشاركة السلطة أثناء الفترة الانتقالية، وتحيز لجماعات سياسية بعينها دون أخرى، وهو ما تجسد في تشجيع السلفيين وغيرهم من الجماعات الإسلامية المتطرفة الأخرى على ترويع المعتدلين والمنادين بمحاكاة الثقافة الأوروبية، كما وظف المحاكم العسكرية وقانون الطوارئ.

في فبراير الماضي، قوبلت كلمات المجلس العسكري باستحسان من المصريين. وبعد تسعة أشهر، ذكرت طريقة إدارته للبلاد المصريين بأن المشكلة الحقيقية ليست هي مبارك، وإنما الديكتاتورية العسكرية التي كان يمثلها.

لقد أثارت الإدارة العسكرية للبلاد حالة من الشك بشأن المستقبل السياسي لمصر، مسببة إحباطا للشعب المصري، تماما مثلما حدث في عهد مبارك، مما أسفر في النهاية عن المواجهات التي حدثت مؤخرا.

لا يزال بإمكان الجيش أن يلعب دورا إيجابيا. عليه أن يتخلى عن احتكاره للسلطة ويمضي في الترتيب لمشاركة السلطة مع قادة مدنيين. بإمكانه أن يعمل كمحفز لإجراء إصلاحات سياسية ويتحقق من أن كل طرف يعمل وفقا للقواعد القانونية الموضوعة.

إذا ما ظل دور الجيش في السياسات المصرية غامضا، مثلما كان على مدار الستة عقود الماضية، ستظل مصر غارقة في مستنقع من العنف والفوضى. ولكي يفي بوعده بحماية الشعب، يتعين على الجيش أن يعمل كشريك في تحقيق مستقبل ديمقراطي لمصر.

لقد تغير الزمن. وأمام الجيش فرصة تاريخية لبناء عقد اجتماعي جديد مع الشعب المصري وإسدال الستار على فصل مخزٍ من الديكتاتورية العسكرية.

يتعين على قادة الجيش تنفيذ الوعود التي قطعها أسلافهم على أنفسهم مع بداية استحواذهم على السلطة في عام 1952 والمضي قدما في طريق تحقيق التحول الديمقراطي - حتى لو كان ذلك فقط لضمان بقاء المؤسسة التي حاربوا لأجلها.

* زميل رفيع المستوى بمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات في واشنطن وأحد الإصلاحيين المصريين ومسؤول سابق بحزب «الوفد»

الليبرالي المصري

* خدمة «نيويورك تايمز»