النصاب رقم (2)

TT

يوم السبت الماضي تحدثنا عن الذكي النصاب الأول، واليوم نتحدث عن الذكي النصاب الثاني، وهو يا سبحان الله كان (خليجيا)، وذلك عندما ذهب وهو بكامل أبهته وساعته الذهبية (الرولكس) إلى معرض سيارات (الرولزرويس) بلندن، وتعمد أن يكون ذهابه في الساعة الأخيرة من نهاية الأسبوع، واختار تحديدا (فانتوم كوبيه) وهي أفخر الأنواع، وأخرج دفتر شيكاته، وقبل أن يكتب لهم قيمة المبلغ اشترط عليهم أن يتسلم السيارة الآن، ووافقوا على ذلك وأسرعوا باستكمال الإجراءات، فيما كان هو يجلس معززا مكرما يشرب كأسا من العصير المقدم له، وبعدها خرج يقود السيارة كأي (طاووس)، مع التشكرات والاحترامات ورفع القبعات.

وقبل أن يغلق المعرض أبوابه جاءهم اتصال تليفوني من أحد الأشخاص، وهو مدفوع من قبله، يخبرهم بأن الذي اشترى السيارة منهم هو رجل نصاب ليس له أي رصيد، فأصيبوا باضطراب، ولكي يضمنوا حقهم ويقطعوا عليه كل الخطوط، سارعوا على الفور بالاتصال بالبوليس، وإعطائه اسمه وعنوانه، واستطاع رجال البوليس أن يصلوا إليه بسرعة ويحتجزوه، وانقاد هو لهم بكل برود ومن دون أي مقاومة نافيا التهمة التي ألصقت به.

وفي صباح يوم الاثنين طلب هو من رجال البوليس أن يذهبوا بالشيك إلى البنك ليتأكدوا من صدقه، وتفاجأوا بأن لديه مبلغا يغطي ثمن السيارة ويزيد.

غير أن اللعبة لم تنته عند ذلك، فقد اتفق الرجل الخليجي مع أكبر بنك محاماة يطالب الشركة بأضعاف قيمة السيارة لأنهم شوهوا سمعته، وخوفا من الشركة أنه سوف يكسب القضية ضدهم بكل تأكيد، اتصلوا به وطلبوا منه بتوسل وإلحاح سحب دعواه مقابل أن يتنازلوا له عن السيارة من دون أن يدفع جنيها واحدا، وقبل العرض على شرط أن يتحملوا أتعاب مكتب المحاماة، ووافقوا كذلك عن طيب خاطر، وفوقها (بوستين).

وبعض من يعرفون ذلك الأفاق النصاب شاهدوه وهو يقود السيارة المكشوفة متبخترا في شوارع لندن طوال شهر أغسطس (آب) وكأنه يقول للناس (شوفوني)، وذكر لي أحدهم أنه في كل مرة يشاهده فيها بالصدفة، يجد بجانبه وجها جديدا، فأرد عليه بحسد قائلا: «الله يرضى عليك اسكت لا تقهرني».

أرجو ألا تأخذ أحدكم (العزة بالإثم)، ويتحمس أكثر من اللازم ليجرب ذكاءه، ليقلد ويفعل مثل ما فعله ذلك الذكي النصاب (فليس كل مرة تسلم الجرة)، ولو أنها كانت دائما تسلم، لكنت أنا أول المشمرين لأكمامي، وأول الفاعلين لذلك (وعلى عينك يا تاجر)، ولكن عندما أتذكر أن للسجون أبوابا، وأن للأبواب أقفالا، وأن للأقفال مفاتيح، وأن المفاتيح هي بين أيدي حراس غلاظ شداد لا يعرفون نداء (يا امّه ارحميني).. عندما أتذكر ذلك أتحول رأسا إلى حمامة سلام من النوع الهزاز.

[email protected]