اليمن.. تحكيم للعقل ونبذ الفرقة وجمع الكلمة

TT

يبدو أن حكم علي عبد الله صالح الذي دام ثلاثة وثلاثين عاما قد انتهى، ويعد صالح رابع رئيس عربي يفقد سلطته في ربيع الثورات العربية العام الحالي، حيث سبقه كل من التونسي والمصري والليبي. إن اليمن بلد فقير ومنقسم بشدة، ويعاني من اضطرابات منذ يناير (كانون الثاني) عام 2011، وهو الشهر الذي أشعلت فيه الثورة التونسية المظاهرات اليمنية المطالبة بتنحي علي عبد الله صالح. وأخيرا بعد أشهر من الاحتجاجات، وقع المارشال صالح على المبادرة في 23 نوفمبر (تشرين الثاني) التي تقضي بالنقل الفوري لسلطاته لنائبه عبد ربه منصور هادي.

لقد جاءت الخطوة متأخرة، لكنها لصالح الجميع. يمثل هذا القرار صيغة «لا غالب ولا مغلوب»، فمن الواضح أن صالح وقّع على المبادرة فقط بعد شهر من ظهور مقاطع مصورة لجثة معمر القذافي التي مثّل بها الثوار الليبيون. وبعد أن شاهد صالح مبارك داخل قفص المحكمة قبل ذلك ببضعة أشهر، يبدو أنه قد آثر أن تكون نهايته مثل نهاية بن علي لا الاثنين الآخرين. سوف يتخلى صالح عن منصبه رسميا في 23 ديسمبر (كانون الأول) 2011، بعد شهر من توقيعه على المبادرة ليتيح تشكيل حكومة انتقالية. من المدهش أنه بعد التوقيع على الاتفاق، أشار صالح ضمنا إلى قدرته على لعب دور في مستقبل اليمن، حيث قال: «سوف أكون متعاونا إلى أقصى حد مع الحكومة الائتلافية المقبلة». وقال إن إعادة بناء اليمن عملية ستستغرق عقودا، وأشار إلى الذين حاربوا من أجل إسقاط نظامه وأطلق على الاحتجاجات «انقلاب» وتفجير الجامع الرئاسي «مؤامرة» و«فضيحة». فلنلق نظرة على بعض المعلومات الأساسية عن اليمن:

يزيد معدل البطالة على 35 في المائة، ويبلغ الدين العام 31.8 في المائة من إجمالي الناتج المحلي. ونسبة السكان تحت خط الفقر 45.2 في المائة. وتحتل الدولة المركز الـ188 في الدول التي بها خدمة إنترنت حول العالم. مع ذلك، يعد الجيش اليمني السابع على مستوى العالم، مما يعني أن مقدار الإنفاق عليه يمثل 6.9 في المائة من إجمالي الناتج المحلي. ويحتل الجيش الإسرائيلي المركز السادس على قائمة جيوش العالم من حيث الإنفاق، حيث يمثل حجم الإنفاق عليه 7.3 في المائة من إجمالي الناتج المحلي.

هذا هو حال اليمن وهذه إنجازات 33 عاما من حكم علي عبد الله صالح. دعوني الآن أوضح لكم الجانب المظلم الآخر من اليمن وهو النظام اليمني. بسبب هذا الجانب المظلم، لا يصدق الكثير من اليمنيين أن صالح يريد التخلي حقا عن السلطة. ولأننا نشهد محسوبية كبيرة في اليمن، يسيطر صالح وأبناؤه وأخوه غير الشقيق وزوج أخته وأبناء أخيه على كل المناصب.

فقد تولى أحمد علي عبد الله صالح، نجل الرئيس، قيادة الحرس الجمهوري المؤلف من نحو 30 ألف رجل إضافة إلى فرق القوات الخاصة، التي تسيطر على جميع مداخل العاصمة صنعاء.

أما علي محسن صالح الأحمر، وهو الأخ غير الشقيق للرئيس، فأسندت له قيادة الفرقة الأولى المدرعة المكونة من عدة ألوية جيدة التسليح، والتي تسيطر على المحور الغربي، وهي الفرقة التي تولت خوض الحروب مع الحوثيين، وتردد أن الرئيس كان يتعمد استنزاف قوتها في هذه الحروب للحد من طموحات علي محسن بالسلطة.

كما يشرف يحيى محمد عبد الله صالح، ابن أخي الرئيس، على قيادة وحدات الأمن المركزي التي تسيطر على كل المدن اليمنية، بما فيها العاصمة صنعاء، في حين تولى علي صالح الأحمر، الأخ غير الشقيق للرئيس، قيادة القوات الجوية، وقائد الحرس الخاص طارق محمد عبد الله صالح، ووكيل جهاز الأمن القومي، عمار محمد عبد الله صالح، ورئيس مجلس إدارة شركة التبغ والكبريت الوطنية، توفيق صالح عبد الله صالح، وجميعهم أبناء أخ للرئيس.

كما تضمنت القائمة عددا من الأصهار على غرار عمر الأرحبي، شقيق صهر الرئيس وهو مدير شركة النفط اليمنية، وعبد الكريم إسماعيل الأرحبي، عم صهر الرئيس، وهو نائب رئيس الوزراء ووزير التخطيط ومدير الصندوق الاجتماعي للتنمية. ويوضح هذا أن صالح وعائلته يتعاملون مع اليمن على أنه ملكية خاصة. من الغريب أنه ناقش في خطاب له في الرياض بعد اندلاع المظاهرات في اليمن قضايا مثل الديمقراطية والمؤامرات الخارجية التي تحاك ضده. وتستمر الاحتجاجات في أنحاء البلاد حتى في وجه أكثر أشكال القمع وحشية. وتشير موجة من استقالات بعض أعضاء حكومة صالح إلى حدوث انشقاقات كبيرة في قلب النظام. وعرض الرئيس التنحي في ديسمبر والشروع في إجراء إصلاحات سياسية واسعة النطاق، لكن يُنظر إليها بعين الريبة، حيث اعتاد الشعب خلال سنوات على سماع الوعود التي لا يُوفى بها.

وفي الوقت الذي يصعب فيه التنبؤ بمدة الصراع أو مدى دمويته، من المرجح أن التغيير السياسي الكبير مقبل لا محالة عما قريب. كان خطاب الرياض هو الفصل الأخير في حياة علي عبد الله صالح السياسية، فقد أشار في خطابه، كما كان متوقعا، إلى نظرية المؤامرة. أعتقد أننا في أمسّ الحاجة إلى الحكمة في هذا العصر. نحن بحاجة إلى الحكمة اليمانية. وتذكرني الاضطرابات والكوارث التي يشهدها العالم الإسلامي هذه الأيام بقصيدة لأبي الفتح البستي التي تعود إلى أكثر من ألف عام والتي يقول فيها:

لا تلمني في اضطراب تراه

في كتاب أخطه أو قريض

وأعز الأشياء عندي وجودا

صحة القول في الزمان المريض

وقد كتب صحافي يمني مقالا بعنوان «يا علي صالح الحكمة اليمانية أفضل مليون مرة».

للأسف قُتل عدد كبير من المسلمين والمسيحيين العام الماضي في دول إسلامية. وتبين في بعض الأحيان أن الربيع العربي يتحول إلى موسم دموي. السبب وراء ذلك جلي وواضح، حيث حكم القذافي وبشار ومبارك وعلي صالح شعوبهم بقبضة من حديد، وللأسف لم ينته هذا في سوريا بعد.

لقد زرع إعلان الرياض في نفوسنا بعض الأمل هذه الأيام. ركز الملك عبد الله على أهمية الحكمة في خطابه الموجز، وأعتقد أن هذا ربما يكون نقطة تحول، فنحن بحاجة إلى الانتباه إلى أهمية الحكمة، حيث ركز على تحكيم العقل ونبذ الفرقة وجمع الكلمة. ومن الضروري أن يتحلى الجانبان بكثير من الحكمة وقليل من التعنت والتصلب، ويمكننا أن نطلب من اليمنيين الاقتداء بنهج رسولنا الكريم سيدنا محمد (ص) بعد فتح مكة، أو حياة نيلسون منديلا السياسية.