حكومة ليبية بأقل المعايير والأضرار

TT

في شأن الحكم، تولي الإسلاميين يعتبر مؤشر خطر، وتولي العسكر نذير شؤم، أما المحاصصة المناطقية أو القبائلية أو العرقية فهي دليل ضعف القوة المركزية. هذه المحاذير الثلاثة كانت مصدر قلق لعبد الرحيم الكيب رئيس الحكومة الليبية أثناء تشكيل حكومته الحديثة المولد.

في تصريحه بعد إعلان الحكومة ذكر الكيب نقطتين أشك في حصولهما، الأولى حين ذكر أن الكفاءة كانت معيار الاختيار. هذا غير صحيح، وأظهر الدلائل على ذلك حقيبة وزارة الخارجية التي خطفت من يد إبراهيم الدباشي نائب مندوب ليبيا في الأمم المتحدة في اللحظات الأخيرة؛ والنقطة الأخرى قوله بأن الحكومة الجديدة أشركت كل المناطق الليبية فيها، وهذا أيضا غير صحيح حيث لم يكن للجنوب الليبي حظ كما لبقية المناطق.

الكيب وضع أولويات للاختيار لا علاقة لها بالكفاءة ولم تكن المناطقية عنصرا رئيسيا فيها، فكانت معايير الاختيار هي إرضاء كبار الثوار، كأولوية، ثم مراعاة المناطقية، فالتقسيم العرقي المتمثل في العرب والأمازيغ.

يأمل رئيس الحكومة باستخدامه لهذا الترتيب الحصول على أعلى فرصة للاستقرار في الثمانية الأشهر المقبلة، وهي عمر الحكومة الحالية، حتى يتسنى لها تصريف أمور البلاد المتعطلة منذ شهور، وتهيئة الشعب الليبي للتعامل مع الانتخابات وطقوس الديمقراطية التي ما عرفوها قط.

كانت هذه المعايير في الاختيار كارثية في ظروف غير الظروف التي تمر بها ليبيا حاليا حيث تعالج مخلفات التحرير وسقوط نظام القذافي.

التشكيلة الجديدة وإن كانت بأقل المعايير، إلا أنها أضمن للاستقرار وأدعى لتجنب التناحر، وتحديدا بين الفصائل والميليشيات العسكرية التي توطنت في مدن رئيسية وتعتقد أن دورها في تحرير ليبيا يمنحها استحقاقات سياسية لن تقبل التنازل عنها، على الأقل حتى يقول الشعب الليبي كلمته في الانتخابات المقبلة.

أبرز مفاجآت التشكيل الجديد غياب الإسلامي البارز عبد الكريم بلحاج رئيس المجلس العسكري في طرابلس عن قائمة الوزراء الجدد حيث كان مرشحا لحقيبة الدفاع، فحل محله رئيس المجلس العسكري في الزنتان أسامة الجويلي، قائد أقوى ميليشيا في ليبيا عددا وعتادا، والتي كان لها التأثير الأكبر في سقوط طرابلس العاصمة في يد الثوار، كما أسر مقاتلوها منذ أسبوع سيف الإسلام القذافي وأبوا أن يسلموه للمجلس الانتقالي في إشارة إلى سطوتهم وقوتهم على الأرض. الجويلي كان طالبا لوزارة الدفاع ومصرا عليها، ولم يكن ليقبل ثوار الزنتان بأقل منها، ولم يكن المجلس الانتقالي بدوره مستعدا لمواجهة من هذا النوع وإلا تحول النصر الكبير بإسقاط نظام القذافي إلى حرب شوارع بين الثوار المنتصرين. مصراتة التي حصل قائدها العسكري فوزي عبد العال على حقيبة الداخلية لم تكن أقل شأنا، حقيبتان سياديتان اضطلع الثوار بقيادتهما بقوة الواقع والتوقيت، ولأن بنغازي لا تملك مقاتلين بشراسة الزنتان والمصراتيين خرجت بلا حقيبة سيادية رغم أنها كانت نقطة انطلاق الثورة، والساحة الأولى لمعارك الناتو، وكل غضبتها على الحكومة التي همشتها كانت بمظاهرة من بضعة أفراد وقفوا أمام مقر المجلس الانتقالي الليبي، مظاهرة ناعمة أمام مجلس لا يفكر سوى في تهدئة الثوار وإعادة برمجتهم إلى الوضع السلمي.

على كل حال.. الإسلاميون بكل أطيافهم ليسوا في عجلة من أمرهم، ولا يرون في حكومة مؤقتة غنيمة تستحق القتال في سبيلها، سينتظرون حتى موعد الانتخابات، بعد أن يكونوا قد نظموا أنفسهم وصفوفهم، هم يرون أن المزاج العام للشعب الليبي إسلامي كمعظم البلدان العربية، ويأملون أن يكون لهم نصيب كما في جارتهم تونس، أي فوز مستحق بكلمة الشعب وليس باختيار الأفراد.

أما التقارير الصحافية التي ذكرت أن الغرب مطمئن لهذه الحكومة لأنها استبعدت الإسلاميين فهي لم تقرأ الواقع بدقة، لأن الدول الغربية على اتصال لم ينقطع مع الإسلاميين في مصر وتونس وليبيا والمغرب، ولا تمانع في توليهم السلطة كما صرحت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون طالما أن حكمهم يأتي وفقا للقانون ومراعاة حقوق الإنسان والأقليات، وقد اعترف بهذه الحقيقة المسؤول عن أهم فصيل إسلامي قادم وهو جماعة الإخوان المسلمين الدكتور بشير الكبتي المنتخب قبل أيام في بنغازي كمراقب عام للجماعة في ليبيا، فذكر أن الإخوان كانت لهم اتصالات واجتماعات مع الدول الغربية أثناء حرب التحرير. الكبتي كان يفاخر بأن مجلس شورى الجماعة المنتخب حديثا توسع في عدد أفراده تنفيذا لخطة انتشار في المدن الليبية تتطلبها المرحلة الجديدة.

ومع الطموحات التوسعية التي يتطلع لتحقيقها الإسلاميون، ستشكو ليبيا من استمرار التدخل الأجنبي الذي يدعم فصائل دون أخرى فتتعزز التنافسية على التسليح بين المدن الليبية، إضافة إلى استمرار تغلغل عناصر من تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي بين العسكر الليبي لتأسيس خلايا نائمة، في ظل سهولة تهريب السلاح.

* كاتبة سعودية

[email protected]