دور البنوك المركزية في السيطرة على المخاوف في الأسواق

TT

«إذا ما تأكد أن بنك إنجلترا يتقدم بحرية فيما يعتبر في الأوقات العادية أوراقا مالية جيدة - ما هو مضمون على نحو واسع ويسهل تحويله - فسيظل الهدوء مسيطرا على التجار القادرين على سداد الديون والمصرفيين، لكن إذا ما رفضت الأوراق المالية، الجيدة والقابلة للتحويل على الدوام، من قبل البنك، لن تتوقف أجراس الخطر، وستفشل القروض الأخرى في الوصول إلى غايتها، وستزداد حالة الخوف بصورة أكثر سوءا».. (والتر باغيهوت، لومبارد ستريت) 1973.

على مدى أكثر من قرن كان المتعارف عليه أن الوظيفة الأساسية للبنك المركزي هو القضاء على المخاوف. وكان، كما تقول العبارة، مقرض الملاذ الأخير. وحتى الآن؛ ففي الوقت الذي يزداد فيه الموقف المالي الأوروبي سوءا، تحرك البنك المركزي الأوروبي مكرها، فأقرض المصارف واشترى السندات الحكومية. لكنه دائما ما كان يحتج بأنه لا يرغب في القيام بذلك، ولن يستمر في القيام بذلك لفترة طويلة، وأن مهمته القانونية الوحيدة، بحسب تأكيده، محاربة التضخم. وقد استغل ماريو دراغي، الرئيس الجديد للبنك، خطابه أثناء توليه منصبه ليخبر السياسيين الأوروبيين أن الكرة في ملعبهم لا ملعب البنك، لمحاربة الفزع. ومن ثم انتشرت المخاوف.

في البداية، كانت اليونان، ثم تلاها بقية ما كان يطلق عليه في البداية (PIIGS) (الخنازير، التي تشكل الحروف الأوائل من البرتغال وإسبانيا وإيطاليا واليونان وآيرلندا)، الدول الضعيفة اقتصاديا، لكنه عدل الآن بعد فورة من التصويبات السياسية إلى GIIPS.

وانتشرت العدوى إلى أماكن، مثل فرنسا والنمسا، حيث ارتفعت معدلات الفائدة دون سبب واضح. والآن انتقلت المخاوف إلى ألمانيا، فقد فشل مزاد هذا الأسبوع لبيع سندات الخزانة الألمانية أجل عشر سنوات في اجتذاب عطاءات كافية.

من ناحية، يعتبر هذا أمرا غير مفهوم، فألمانيا تملك واحدا من أقوى الاقتصادات في العالم. وقد استفادت حتى الآن من الهروب إلى الأمان خلال انتشار المخاوف. ومن المؤكد أن فشل المزاد شابه بعض القصور الفني في مزادات السندات الألمانية، لا زجر الائتمان الألماني.

من ناحية أخرى، ربما يكون ذلك ذا مغزى تام، فقد اتخذت ألمانيا موقفا متعنتا مصرة على أن الدول الضعيفة اقتصاديا لن يتم إنقاذها إلا بشروطها هي. هذه الشروط تدعو إلى التقشف كما هو واضح للعيان، والسيطرة على السياسات الاقتصادية الحكومية الوطنية، واتخاذ القرارات من بروكسل، حيث يوجد مقر الاتحاد. وكان جزء من العقيدة الألمانية يتمثل في الإصرار على أن لا يقوم البنك المركزي بدور كبير قدر المستطاع، حتى يتم ضمان المركزية.

حملت الوصفة الألمانية رسالة ضمنية مفادها أن المخطئين الذين أنفقوا أو اقترضوا الكثير يستحقون العقاب، وهم قادرون على استعادة التنافسية عبر الإصلاحات البنيوية - ستساعد ألمانيا في وضعها - خلال فترة من العمل المتواصل.

مثل هذه الوصفة يمكن أن تنجح، إذا ما تبع المرضى الأوامر. وفي النهاية، ستتمكن صناعاتها التصديرية من أن تنافس الصادرات الألمانية كما اعتادت أن تكون. وسوف يتراجع النمو الزائد في تكلفة العمالة خلال العقد الماضي. وهناك، في الحقيقة، أدلة على أن الدواء يؤتي الثمار المرجوة منه في آيرلندا.

لكن في هذه الأثناء، فإن الوصفة لا تقدم شيئا لتحسين الفرص التي يمكن من خلالها للحكومة أن تسدد ديونها. وهذا لأن الدعم الأساسي لأي قرض هو قدرة المقترض على توليد النقد. بالنسبة للأفراد، فإن ذلك يشير إلى القدرة على الكسب. وبالنسبة للدول فإن الدعم الأساسي يعتمد على قدرة الدولة على فرض وجباية الضرائب، وهذا يعتمد في جانب أساسي منه على الرفاهية الوطنية. وإذا ما تسبب الاقتصاد في عودة النمو والأرباح، فستكون هناك عوائد ضريبية.

لكن هناك الكثير من الإشارات على أن الكثير من المرضى لا يرغبون في تناول الدواء. فأولئك الذين احتفلوا بإنشاء حكومات يديرها تكنوقراط غير منتخبين في اليونان وفي إيطاليا، كانوا ينظرون إلى ما وراء الرسالة الأصلية، بأن أوروبا لن تتمكن من الحصول على ما أرادت عبر السياسيين الذي حصلوا على الدعم الشعبي. وهذا قد لا ينذر بخير بالنسبة للإصلاحات الاقتصادية التي بدأت تؤتي ثمارها فعليا.

هددت ألمانيا بصورة ضمنية بأن الدول التي لا تقوم بما ينبغي عليها ستطرد من منطقة اليورو ولتدبر أمورها بنفسها. وهو تهديد أدى بالسياسيين في اليونان وإيطاليا إلى التخلي عن السلطة، لكن هل سيقنع ذلك غالبية الأفراد بالموافقة على التغييرات التي لم تلق شعبية؟

وإذا ما تمردوا، ولم تجد ألمانيا بدا سوى سحب الدعم، فستون ألمانيا من بين أكبر الخاسرين، لأن الدول الضعيفة اقتصاديا إذا ما فشلت في سداد ديونها فستقع المصارف الألمانية في مشكلة.

سترتفع قيمة العملة الألمانية - سواء وصفت بمارك جديد أو يورو متقلص مع مجموعة أخرى صغيرة من الدول الأخرى التي لا تزال ضمن اتحاد العملة - في الوقت الذي ستتراجع فيه اقتصادات مستهلكي ألمانيا الرئيسيين، وسوف تنهار الصادرات الألمانية، وسيرتفع العجز في الميزانية الألمانية.

وإذا ما تبعت وصفتها الخاصة، فمن المفترض أن تتعامل ألمانيا مع مشكلات الميزانية عبر التقشف النقدي والمالي وهو ما سيزيد من تعقيد الأوضاع. وفي الحقيقة، ربما لا تتمكن من القيام بذلك، وهو ما قد يظهرها في دور المنافق أمام باقي دول القارة.

ولكن - وهذا في بقاء السندات الألمانية آمنة - سيكون هناك القليل إذا ما كان هناك أي خطر في عجز ألمانيا عن سداد الديون. وسيفعل ضغط البنك الاتحادي الألماني على البنك المركزي الأوروبي على عدم الإسراف في الإقراض قدر الإمكان كي يظل مقرض الملاذ الأخير ما ينبغي على البنوك المركزية القيام به، سوف تقرض لدعم ألمانيا.

ولنكن على يقين من أنه لن يكون هناك خروج آمن من المأزق الأوروبي، وهناك حجة منطقية في المطالب الألمانية. فلو كانت السياسة الاقتصادية والمالية الأوروبية مركزية عندما أنشأت منطقة اليورو، ما كان ذلك ليحدث.

لكن هذا القرار لم يتخذ، وكان لإنشاء عملة موحدة تأثير مغاير، فتصرفت الأسواق التي يمكن أن تكون حمقاء بقدر ما هي متقلبة، كما لو كانت أوروبا مركزية بالفعل، وأقرضت الأموال لكل حكومات منطقة اليورو بمعدلات فائدة منخفضة. وقد خفض الائتمان السهل من الضغوط على الدول لسن أنواع الإصلاحات التي تقول ألمانيا الآن إنها بحاجة إليها.

من المثير للدهشة أن أوروبا يبدو أنها وجدت طريقا جيدا لتمويل آيرلندا. هذه الدولة تحصل على قروض جديدة الصندوق الأوروبي لا من السوق. فسنداتها القديمة يتم تداولها بحرية وتقدم عائدات فوق ما يمكن للبلاد أن تقدمه لكنها أدنى بكثير مما كانت عليه قبل الموافقة على الخطة الجديدة الصيف الحالي. وقد مني بعض من راهنوا ضد آيرلندا ببعض الخسائر الحقيقية.

وبالتأكيد لا يكون منح حرية التصرف لشخص مبذر حلا جيدا أيضا. لكن الطريقة الحالية التي يتصرف بها البنك المركزي الأوروبي قد تكون هي الأسوأ على الإطلاق، حيث إن قيامه بشراء سندات الحكومة في الوقت الذي يؤكد فيه أنه سيتوقف عن ذلك في الحال، يكون الأمر كما لو أنه يرسل رسالة تشير إلى أنه من الأفضل أن يقوم حاملي السندات ببيعها على الفور.

وعلى النقيض من ذلك، إذا ما قطع البنك وعدا بشراء جميع السندات التي تعرض عليه، تدعمه قدرته على طباعة النقود، فمن الممكن أن يقوم بشراء عدد قليل من تلك السندات. ومن الممكن أن تحدث مخاطر أخلاقية حقيقية في خطط إنقاذ البنك المركزي. وقد دعت النظرية التي قدمها باغيهوت في القرن التاسع عشر البنوك إلى تقديم قروض في مقابل ضمانات عالية الجودة تكون أموالا سائلة عندما تمر فترة الذعر، لكن ليس مقابل ضمانات منخفضة الجودة. ولن يكون من السهل دائما معرفة الأشياء الجيدة من الأشياء السيئة خلال فترة الذعر. لكننا افترضنا حتى الآن أن البنك المركزي سيجد سندات أصدرتها حكومته لتكون ورقة جيدة يستطيع المستثمرون أن يعملوا بناء عليها.

وقد يكون البنك المركزي الأوروبي يفتقر بالفعل إلى سلطة قضائية معينة تمكنه من القيام بما ينبغي على البنك المركزي القيام به في حالة حدوث أزمة ما. لكن هذا ليس أمرا جديدا.

وأشار براد دي لونغن، اقتصادي بجامعة كاليفورنيا، في بيركيلي، إلى تعليقات قدمها السير روبرت بيل، رئيس وزراء بريطانيا عام 1844، توضح سبب عدم سعيه إلى وضع تشريع معين يخول للبنك التصرف خلال فترة الذعر؛ حيث كتب في خطاب له «إن ثقتي لا تتزعزع في كوننا اتخذنا جميع الإجراءات الوقائية التي من الممكن أن يتخذها التشريع بتعقل ضد تكرار الأزمة المالية. وقد تحدث أزمة مالية ضد الإجراءات الوقائية التي اتخذناها؛ لكن إذا ما حدث ذلك وإذا كان من الضروري تحمل مسؤولية كبيرة، فإن بوسعي أن أقول إننا سنجد رجال يمكنهم تحمل مثل هذه المسؤولية». وهناك حاجة شديدة في أوروبا الآن للعثور على مثل هؤلاء الرجال، أو النساء.

* خدمة: «نيويورك تايمز»